شارك رأيك ولا تكشف اسمك
يصوّر واقعك أنَّ استخدام الأسماء المستعارة هروبٌ من إبداء رأيك ومواجهة رد الآخرين عليه، لكنها ببساطة تعني أنَّك قررت الاحتفاظ بخصوصيتك.
هناك مشهد في فلم «العرَّاب» (The Godfather) أريدك أن تشاهده قبل إبدائك رأيك في أي قضية تخصك أو لا تخصك. في المشهد ينصح دون كورليون ابنه المتهور سوني، بعد أن أخذته الحماسة وعبَّر عن رأيه في اجتماع مع زعيم عصابة أخرى أمام الملأ، قائلًا: «لا تخبر أحدًا خارج العائلة بما تفكِّر به.»
برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة التصيُّد والإقصاء. فأصبح كل من يختلف معك ينبش في كل ما تقول بحثًا عن زلة لسان، أو رأيك الذي قلته في لحظة غضب، أو ضمن سياق مختلف عن واقع اليوم ليستخدمه ضدك.
في المنتديات لم نكن نستخدم أسماءنا الحقيقية، وسأدَّعي أن الحوار وقتها كان «أنظف» من حوارات اليوم. ولم يستدع الاختلاف رفع الشكاوى والمطالبات بحجب العضو الفلاني أو مهاجمته لاختلاف الرأي معه.
ولنفترض أنك تهورت حينها وتسببت في مصيبة، وصرَّحت في أحد منشوراتك أن «البرقر» أفضل من «الشاورما». فلن تتجاوز أصداء فعلتك جدران المنتدى الافتراضية. لن تحتاج إلى نشر فيديو تتوب فيه عن أفكارك وآرائك، لأنَّ كل ما عليك فعله اتخاذ اسمٍ جديد وعنوان جديد. وهكذا تبدأ صفحة جديدة بعد أن «هداك ربنا» وتعلمت درسك بأن الشاورما مع الطحينة أفضل من البرقر بالكاتشب.
يصوِّر واقعنا اليوم أنَّ استخدام الأسماء المستعارة جبن وهروب من المواجهة، لكنها تعني ببساطة أن شخصًا قرر الاحتفاظ بخصوصيته وفصل العالم الافتراضي عن حياته.
لذا صرتُ ميالًا إلى تبني استخدام الأسماء المستعارة في الشبكات الاجتماعية. فهي تسمح لي بالمجادلة والنقاش دون القلق من ربط أفكاري بتوجهات سياسية، أو محاولة قلب نظام المجتمع واتهامي بنشر أفكار سيئة عن الشاورما.
أما لو كنت تغرد باسمك الحقيقي وتشارك رأيك في كل ما هب ودب، فنصيحتي لك الآن أن تتوقف و«لا تخبر أحدًا خارج العائلة بما تفكِّر به.»
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.