الجماعات الإرهابية وتطبيقات التراسل الفوري

أثار استخدام بعض الجماعات الإرهابية - مثل داعش - تطبيقات التراسل الاجتماعية ذات التشفير القوي مثل تطبيق تيليجرام، ويبدو أن الأمر لا يتوقف هنا.

في الأول من شهر يوليو من سنة 2016، اقتحم 5 أشخاص من مقاتلي داعش مخبز هولي في العاصمة البنجلاديشية دكا في حصارٍ دام 12 ساعة. وبعدها أصدرت وكالة الأنباء أعماق (وسيلة الإعلام الرسمية لتنظيم الدولة الإسلامية) مجموعة من المعلومات المحدثة عن الواقعة من داخل المخبز عن طريق تطبيق تيليجرام.

وذكرت الرسالة الأولى أن مجموعة الكوماندوز قد اقتحموا المطعم، وبعدها بدقيقة ظهر تحديث آخر أن 20 شخصاً من جنسيات مختلفة قد قتلوا. ثم بعدها زاد عدد الضحايا إلى 24 قتيلاً مع 40 جريحًا، والتحديثات أيضًا كانت متبوعة بصور دموية للحادثة من داخل المطعم.

وكان واضحًا أن اتصال المهاجمين مع وكالة أعماق كان مستمرًا وبدون انقطاع من خلال تطبيق موجود في هاتف ذكي. وبعد خمسة أيام، ذكرت صحيفة Times of India أن التطبيق كان Threema (وهو تطبيق غير مجاني متخصص في المحادثات الفورية المشفرة والآمنة.)

لا يزال مستغرب عليهم اختيارهم لهذه التطبيقات المكشوفة

هذا التقرير يعتبر تأكيدًا على استخدام الإرهابيين لتطبيقات التراسل الفوري خلال هجمات أخرى من العام الماضي. فمن المعروف أن المهاجمين في حادثة باريس قد تواصلوا مع بعضهم من خلال تطبيق WhatsApp وتيليجرام قبل العملية في 13 نوفمبر 2015. نجيم لاهرواري،صانع القنبلة في هجمات بروكسل، كان يتواصل مع زملائه عن طريق تطبيق تيليجرام. أما الهاربين من هجمات باريس فكانوا يتواصلون عن طريق WhatsApp، وViber، وSkype للحديث مع القادة في سوريا قبل أن تقبض السلطات عليهم.

يتواصل المقاتلون الجددمع مجنديهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعية، وينتقلون بعدها إلى وسائل التراسل الفوري لاستكمال نقاشهم. وطبعًا، تطبيقات التواصل الفوري يتم الترويج لها عن طريق مقاتلين محددين تابعين لهذه المجموعات، ومن هذه التطبيقات: WhatsApp، وتيليجرام، وKik، وSureSpot، وChatSecure… إلخ.

وعلى الرغم من المراقبة الصارمة الموجودة على هذه الجماعات في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه لا يزال مستغرب عليهم اختيارهم لهذه التطبيقات المكشوفة؟

فمنذ التوسع الكارثي لهذه المجموعات في عام 2014، كان نشاطها المنظم في منصات التواصل الاجتماعي واضحًا، إبتداءً من تواجدهم بشكل مركز على تويتر وتواجدهم بشكل أقل في Friendica، وDiaspora، واستغلالهم حاليًا لتطبيق تيليجرام. فكانوا يبدؤون التواصل على هذه المنصات، ويبدو أنه عندما يصلون لمرحلة التنفيذ والهجوم، تحصل فوضى جراء عدم القدرة على التنسيق بشكل أفضل.

مع قائمة التطبيقات الطويلة والتي تحتوي على خدمة الرسائل المشفرة قامت الجماعات الإرهابية باستخدامها جميعًا لتوظيفها في التواصل والدردشة مع المقاتلين. خبراء التقنية حذروا منها لما قد تسببه هذه التطبيقات من سهولة في تواصل الجماعات الإرهابية عن طريقها خصوصًا لحظة الهجمات.

وإذا نظرنا لتطبيق WhatsApp المملوك لشركة فيسبوك، نجده الأشهر لدى الجماعات الإرهابية في الاستخدام. وليس مستغربًا حتى أن المهاجمين في أحداث بروكسل وباريس قد اعتمدوا عليه في التواصل، مع ملاحظة أنهم قد استخدموه قبل أن تدخل فيه خاصية التشفير أي كان بالإمكان اعتراض محادثاتهم من قبل الجهات المختصة ويتم اكتشافها.

في شهر يناير، قام أحد الحسابات التقنية والذي يعتبر من المناصرين للجماعات الإرهابية بعرض قائمة لـ 33 تطبيقًا تم تصنيفها تحت مقياس مدى الأمان الموجود فيها والتشفير، حتى يحذر من استخدامها أثناء تواصل أفراد الجماعات الإرهابية مع بعضه وكتب: “نحن ننذر الجميع إلى توخي الحذر من تثبيت هذه التطبيقات على الهواتف… لأنها تشكل خطراً كبيراً جدًا.”

وعلى الرغم من كل هذه التحذيرات، مازال المقاتلون والمناصرون لهذه الجماعات يستخدمون هذه التطبيقات. فعلى سبيل المثال، في تاريخ 27 نوفمبر 2015، قامت “شمس” وهي مهاجرة ومجندة معهم تزعم أنها من ماليزيا (وتعرف أيضًا باسم “عصفور الجنة”)، ذكرت أنها تستخدم WhatsApp على الرغم من كونها “تدرك أنه ليس آمناً”.

“هو أحد تطبيقات المراسلة الاجتماعية المملوكة لشركة فيسبوك الإسرائيلية!”

حتى بعد أن تم تشفير محادثات WhatsApp لا زالت قنوات الجماعات الإرهابية على تيليجرام تحذر منه وتحذر من استخدامه من قبل جماعاتها: “لا يمكننا أن نثق في تطبيق WhatsApp لأنه تطبيق يسهل اختراقه ويعتبر الأكثر استخدامًا، وهو أحد تطبيقات المراسلة الاجتماعية المملوكة لشركة فيسبوك الإسرائيلية!”

ومع كل ذلك فهم يتجاهلون هذه التحذيرات ويصرون على استخدامها في مراسلاتهم بشكل دائم.

نسمع دائمًا أن المقاتلين في الجماعات الإرهابية يحثون بعضهم البعض على استخدام وسائل تواصل آمنة للحفاظ على الحكومات والقيادات الموجودة. والفرق الرئيسي بين التطبيقات وغيرها من وسائل الاتصال عبر الشبكة العامة (إنترنت) هو أن جميع أعضاء الخلية يجب أن يكونوا قادرين على استخدام نفس التطبيق. فقد كان تنظيم القاعدة في الماضي  يستخدمون رسائل البريد الإلكتروني للتواصل عبر Yahoo، وHotmail، وغيرهما من مزودي خدمات البريد الإلكتروني.

لكن الأمر الأكثر تعقيدًا عندما تكون الخلايا تعمل من مواقع مختلفة من العالم وتكون بعض هذه التطبيقات ممنوعة من الحكومة. فمثلًا الـ WhatsApp يبقى هو التطبيق الأكثر شعبية في جميع البلدان. لكن بعض الحكومات قد تمنع بعض التطبيقات من خلال التعاون مع مزودي خدمات الشبكة العامة المحلية الموجودة، مثل ماحصل مع تطبيق Threema نظرًا لأحداث دكا.

وبالنظر إلى الحال الذي وصلت له هذه الجماعات من استخدام التطبيقات غير المشفرة للتواصل مع قياداتهم أو مع بعضهم البعض هو الشيء المهم بالنسبة لهم بغض النظر عن مدى آمن التطبيق.

تضيف درجة الأمان والتشفير المزيد من التعقيد لمكافحة الإرهاب في عصرنا الرقمي بوجود الهواتف الذكية. لهذا كان من الأفضل أن يكون الأمر أكثر وضوحًا في الكشف عن المحادثات والوصول لها، فعلينا أن ننظر لكل ما يحدث في وضح النهار حتى نفهم ما يحدث في الأماكن التي لا يمكن رؤيتها.

الجماعات الإرهايبة وتطبيقات التراسل الفوري

هو صعب، وأشبه بالأحجية، ومهمة شاقة

حل هذه المشكلة لن يكون سهلاً أبدًا، هو صعب، وأشبه بالأحجية، ومهمة شاقة. لكن الأكيد، أنّ حجب التطبيقات هذه ليس حلاً على الإطلاق. ما أن تحجب أي حكومة تطبيق، إلاّ وذهبوا خلف تطبيقٍ آخر. وحتى لو تم حجب جميع التطبيقات الموجودة على App Store وGoogle Play، فصناعة تطبيق للتواصل خارج نطاق متاجر التطبيقات لم يعد أمرًا صعبًا.

وماذا لو اختارت تلك المنظمات استخدام iMessage! فالتطبيق مشفّر من الطرف للطرف، ومفتاح التشفير غير متاح لا للحكومات، ولا حتى للشركة نفسها. وعامًا بعد عام، أبل مصرّة على حماية الخصوصية للمستخدمين، وجعل مسألة الوصول لبياناتهم أمرًا يكاد يكون مستحيلاً.

فالمسألة هنا بين نارين، بين أمن الدول، وبين خصوصية الإنسان! وبين هذا وذاك، لن يكون الحجب حلاً أبدًا. بل هو حلّ الضعفاء. حيث أنّ الحجب يجعل الجماعات الإرهابية غير قادرة على استخدام ذاك التطبيق المحجوب بعينه فقط! وكما ذكرت فالخيارات غير محصورة. بيد أنّ الحلول سهلة وواسعة لتخطي الحجب باستخدام شبكة افتراضية خاصة (VPN).

الحريةالحكوماتالشبكات الاجتماعيةالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية