كيف ارتبط البتكوين بجرائم غسل الأموال؟

مع صعود البتكوين كعملة رقمية قابلة للتداول في التجارة وأسواق المال، تُثار التكهنات بكونها أداة تسهل ارتكاب الجرائم المالية.

البتكوين: ما القادم في السنة المقبلة؟ / Sylvia Yang

اشترك في نشراتنا البريدية

يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
13 سبتمبر، 2021

تتعرض عملة البتكوين اليوم لحملة إعلامية شرسة فهي «أداة المجرمين» المتورطة بجرائم غسل الأموال. يهدف هذا النوع من الحملات الإعلامية لاغتيال العملات الرقميَّة معنويًّا معتمدةً على جهل عام بطبيعة التقنية، وكذلك على حوادث سابقة ارتبطت سلبيًّا بها. لكن في الواقع، لا تمتلك بتكوين مقومات الأداة النقدية المفضلة لارتكاب جرائم مالية

العملة الرقميَّة في الإنترنت المظلم

خدمت عملة البتكوين كأداة لهواة البرمجة، توزعها مواقع بلا مقابل وأخرى تستخدمها للتسلية. لم يكن هناك سعر ولا منصات تداول ولا حتى استخدام واضح لعملة الإنترنت السحريّة. تغيّر كل هذا مطلع عام 2011 عندما صَنع منها شخص استخدامًا لا يزال يُعد بصمة سوداء في تاريخ العملة حتى يومنا هذا. 

روس ألبريك مواطنٌ أميركي الجنسية ذو خلفيّة علميّة باهرة وخرّيج أعرق جامعات الولايات المتحدة. قرر يومًا التخلّي عن طموحاته الأكاديميّة وتأسيس سوق سوداء في الإنترنت المظلم أطلق عليه مسمى «طريق الحرير» (Silk Road) مستلهمًا الاسم من الطريق التجاري الشهير. 

لم تكن الفكرة اختراعًا جديدًا بل مجرّد خلط لتقنيتين تتمتعان بنوع من الخصوصيّة. الأولى متصفح «تور» (Tor) المُستخدَم لدخول عالم الإنترنت المظلم بسريّة تامّة. والأخرى عملة البتكوين لما تحملها من ميزة التداول بدون كشف الهويّة.

جاءت انطلاقة «طريق الحرير» بمثابة صيحة غيّرت مفهوم عالم الجريمة. لم يتخيل أحدٌ يومًا سهولة طلب سلعة ممنوعة بضغطة زر ليصل المحظور لعتبة باب بيته دون إظهار وجهه أو حتى الالتقاء بوسيط. كتجربة تسوق لم تختلف كثيرًا عن طلب مستلزماتك من أمازون. 

وهكذا، حققت المنصة في غضون سنتين مبيعات تفوق 9 مليون بتكوين أي ما يعادل نصف تريليون دولار. وسجّل فيها ما يقارب مائة ألف مشترك ما بين بائع ومشتري. وبلغ حجم «طريق الحرير» المالي في تلك الفترة حجم «علي بابا» الصينيّة اليوم.

البتكوين كأداة تتبُّع فدرالية

لم يدم نجاح المنصة، إذ ارتكب روس ألبريك خطأً فادحًا. فقد روَّج لمشروعه على الإنترنت المكشوف تحت المعرّف «ألتيود» (Altiod). ثم استخدم المعرِّف ذاته في نشر إعلان توظيف مرفقًا بعنوان بريده الإلكتروني الشخصي للتواصل. وهكذا، وجد مكتب التحقيقات الفدرالي في عنوان البريد الإلكتروني دليلًا واضحًا على هوية المؤسس

وعند إلقاء القبض عليه كان ألبريك يدير أكبر متجر رقمي للسوق السوداء من مكتبة عامّة في سان فرانسيسكو، وحُكم عليه بالسجن المؤبد.

لكن أين البتكوين في هذه القصة؟ في الحقيقة أفضى تحديد هوية روس ألبريك إلى موقع خادم الشبكة الذي يحتوي على معلومات حساسة منها وجود شريك آخر يدير الأمور التقنيّة. 

اختفى الشريك مجهول الهويّة بعد انهيار الموقع. لكن تمكَّن مكتب التحقيقات من العثور على محفظة البتكوين الخاصة به وتتبعوها على الشبكة من عام 2013 حتى عام 2015. واتضح فيما بعد أنه رجل في العقد الخامس من العمر اتّخذ من تايلند ملاذًا له. قُبض عليه في عام 2018 ولا يزال في انتظار المحاكمة. 

جريمة خط الأنابيب «كولونيال»

في السابع من مايو 2021، تعرَّض أحد أشهر خطوط أنابيب الوقود في الولايات المتحدة «كولونيال» (colonial) للتوقف التام. أدى التوقف لارتفاع أسعار البنزين في الولايات الشرقيّة وإعلان حالة الطوارئ بالبلاد مع إبقاء أنابيب الوقود في سبع عشرة ولاية مفتوحة على دوام الساعة لتغطية النقص المفاجئ في الطاقة. فماذا حدث؟

استهدفت منظمة تُدعى «الجانب المظلم» (DarkSide) خط الأنابيب المذكور؛ دخلت النظام عن بعد ونسخت كميّة بيانات يقدّر حجمها بمائة قيقابايت. لم تكتف بهذا فحسب، بل زرعت برنامجًا خبيثًا يوقف جميع العمليات ويظهر بيانًا تطالب فيه بتحويل خمسٍ وسبعين بتكوين، أي ما يعادل 4.4 مليون دولار في ذلك الوقت. 

لم تتردد الشركة بتلبية طلب المجموعة وتحويل الفدية المطلوبة. فقد تسبب الضرر الكبير للاختراق بإغلاق خط أنابيب لم يتوقف عن العمل على مر سبعٍ وخمسين عامًا.

بعد غضون شهر من تاريخ الاختراق، أعلنت وزارة العدل الأميركية استعادة نصف الفدية، أي 2.3 مليون دولار، مستعينةً بشبكة البتكوين في متابعة محفظة المخترقين. لم تصرِّح وزارة العدل عن كيفية حصولها على مفتاح المحفظة، لكن وفق تحليل الخبراء يُحتَمل استخدام المخترقين منصّة مرخصة، مما سمح للجهات المعنيّة باتخاذ الإجراء اللازم واستعادة الأموال. 

صرّح حينها خبير الأمن السيبراني لدى مكتب التحقيقات الفدرالي، «إلفس تشان»، بأنه «لا يمكنك الاختباء خلف العملات الرقميّة.».

وتؤكد الأرقام تصريحه، ففي عام 2019، لم تتخطَّ نسبة العمليات المشبوهة التي تستخدم العملات الرقميّة 2% أي ما يعادل 21 مليار دولار. وانخفض هذا العدد إلى 10 مليار دولار في العام التالي. 

عندما نقارن هذه الأرقام مع المعاملات النقديّة سنجد ما يقارب 5% من الناتج الإجمالي العالمي (Global GDP) استخدم في غسيل الأموال. تبدو النسبة قليلة لكنها تصل إلى أربعة تريليون دولار. وبهذا يكون نصيب العملات الرقميّة 0.25% فقط من المال المتداول في عالم الجريمة. 

البتكوين عملة مكشوفة 

على خلاف ما يُروَّج له، لا تتمتع البتكوين بالغموض بل هي أشبه بالكتاب المفتوح. تعتمد طريقة تشغيل شبكتها على وجود قاعدة بيانات لا مركزية دونما رئيس تنفيذي. وجميع من في الشبكة يحافظ عليها آمنة عن طريق تزويدها بالطاقة مقابل الحصول على محفّز. جعلت هذه التقنية المبتكرة التداول بالعملات الرقميّة مكشوفًا تمامًا للعامّة. 

هكذا:

كل مرة تستقبل بها بتكوين من شخص ما تستطيع الدخول على موقع مستكشف الشبكة لمعرفة رحلة حياة هذه العملة منذ لحظة تنقيبها حتى وصولها إلى محفظتك، مرورًا بعنوان كل شخص استحوذ عليها قبلك. نعم! لهذا الحد شبكة بتكوين شفافة. Click To Tweet

فإذا فكَّر شخص باستخدام البتكوين كأداة لأغراض مشبوهة سيضع أمواله عُرضة للمراقبة على دوام الساعة. لهذا لا تعد البتكوين الأداة المناسبة لغسل الأموال، فهي الأثر الماليّ الواضح الذي تتمناه فرق التحقيق في الجرائم المالية.


اقرأ المزيد في الرأسمالية
مقال . الرأسمالية

كل شيء قابلٌ للبيع، حتى الحقائق

يقع بينغ في حب فتاة ليتم بعدها وضعه أمام خيارين: إما التوكيد على مضامين خطابه الثوريّ ومواجهة العواقب، أو قبول العرض المُقَدّم إليه لتسليع الخطاب...
حسين الإسماعيل
مقال . الرأسمالية

التقنية العقارية تلفت الأنظار، وأبل تغرّد خارج السرب

مع تزايد عدد الشركات التقنية الداخلة في تطوير منتجات العالم الافتراضي والمعزَّز، أُعلن عن تأسيس «منتدى معايير الميتافيرس» المفتوح.
إيمان أسعد
بودكاست أرباع . الرأسمالية

كيف نطبق مفهوم الاستدامة في صناعة الأزياء؟

لم يعد من الممكن تجاهل حقيقة اعتماد اقتصادات دول كثيرة على صناعة الأزياء. إذ رسّخت سياسات شركات الموضة السريعة -كطرحها المنتجات باستمرار خارج مواسم الفصول
سلمى وعمرو
مقال . الرأسمالية

كرة القدم الأميركية: من بلاد العم سام، إلى الاتحاد السعودي

يعد دوري كرة القدم الأميركية أكثر الدوريات دخلًا بالرغم من انحصار انتشار الرياضة في أميركا، فماذا لو انتشر جمهورها حول العالم؟
فيصل العريفي
مقال . الرأسمالية

ملك السباكس يغضب السوق، وأرامكو تطلق ممر الذكاء الاصطناعي

أعلن «ملك السباكس»، شاماث باليهابيتيا، إغلاق شركتين من شركات السباكس التابعة له وإعادة 1.6 مليار دولار إلى المستثمرين.
إيمان أسعد
مقال . الرأسمالية

كيف يراهن الصندوق العقاري على حل مشكلة الإسكان؟

شكلت القروض الاستهلاكية ما نسبته 85% أو أكثر من مجمل القروض الممنوحة للأفراد. بينما لم تشكل القروض العقارية أكثر من 15% حسب الأرقام التي أعلنتها مؤسسة...
عبد الله الربدي