رشاش وغفلة المنتجين الجدد

بلغ مسلسل رشاش بالدراما السعودية مستوىً غير مسبوق من الحرفية والنجاح، لكن ثمة خطأ في سيناريو العمل غفل عنه المنتجون.

مشهد من مسلسل «رشاش»

اشترك في نشراتنا البريدية

يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
19 أغسطس، 2021

عندما نتحدث عن الثقافة فنحن نتحدث عن عناصر متناغمة تندمج مع بعضها لتشكل نسيجًا يألفه كل من يعيش في بيئتها. وأي رقعة أو فجوة في ذلك النسيج ستتجلى بوضوح لدى كل من عاش في تلك البيئة وتشرّب ثقافتها.

فكلنا ينفر من تلك الإعلانات التي يظهر فيها رجل ليس له من ملامحنا إلا «السكسوكة». يرتدي ثوبًا فضفاضًا وشماغًا بحجم منديل وعقالًا يطوّق منتصف جبهته، وأحيانًا مشلحًا يلبسه على طريقة روب الاستحمام؛ ليعلن عن منتج يستهدف به الجمهور السعودي.

في كل مرة أشاهد مثل هذه الإعلانات أتساءل أين ذهبت عقول منتجيها الذين لم يكلّفوا أنفسهم عناء التواصل مع الثقافة للوصول إليها.

التباين بين الأحداث والمضمون الثقافي 

عندما شاهدت أول حلقة من مسلسل «رشاش» بدا لي أن هناك فجوة ثقافية وأزمة واضحة. إذ يبتعد المسلسل بأحداثه عن تجسيد بعض المضامين الثقافية في منطق القصة.

ولا أقصد بذلك تمثيل القصة التي اقتبست منها أحداث المسلسل، بل الدقة في محاكاة القصة وفق حقيقتها خلال الحقبة الزمنية التي جرت فيها الأحداث. فقد بدت بعض المشاهد مغايرة ومتباينة لما كان عليه الأمر. فعلى سبيل المثال، نحن لم ولن نشهد السيارات الصغيرة ثنائية الدفع من فئة سيدان وهي تطوي الطرق الوعرة وتجوب الصحاري. 

كما أن الخلط بين مسميات المراتب العسكرية وأشكالها ومهامها كان واضحًا. وكم كنت أتمنى مشاهدة «الطريقة المهينة» التي فُصل بها «رشاش» من عمله العسكري بدلًا من سماعها حرفيًا.

وبالرغم من كل ذلك، إلا أن مسلسل رشاش يختلف تمامًا عن تلك الإعلانات المستفزة. فلا يخفى على المتابع للمشهد الفني المحلي أن هذا العمل أحدث قفزة نوعية في تاريخ الصناعة الدرامية، ابتداءً من احترافية تصميم الإنتاج في كل ما يتعلق بالمظهر المرئي، بما فيه الملابس، وصولًا إلى الأداء الباهر للممثلين. فقد ظهروا في انسجام تام مع أدوارهم، وفي تناغم مثالي مع الشخصيات الأخرى.

بين النقل الحرفي والتواصلية

لقد نقل «رشاش» الدراما المحلية إلى مستوى لم يسبق لها أن قاربته. وعلى المستوى الشخصي لم يخطر ببالي أنني في يوم من الأيام سأترقب نزول حلقات مسلسل خليجي لأشاهدها فور عرضها. لكن «رشاش» كسر هذه القاعدة، وجعل الثانية عشرة من صباح الجمعة موعدًا رسميًا للمتعة.

إلا أن:

الصدع الأبرز للمسلسل جاء في الحوار الذي بدا أنه تُرجم عن اللغة الإنقليزية. فجاء نقلًا حرفيًا متفككًا وبعيدًا عن أسلوب وثقافة لغة الأحداث في مواطن كثيرة. Click To Tweet

وفي مواطن أخرى بدا دقيقًا ومتقنًا وطبيعيًا يعتمد الترجمة التواصلية، حيث يعدل المترجم على أسلوب النص الأصلي وثقافته بما يجعله مفهومًا ومألوفًا لدى المتلقي. 

حداني التفاوت للتعمق في الرصد والتحليل والمتابعة، لكنني في النهاية لم أجد مبررًا منطقيًا لهذا التباين في مستوى الحوار!

كل ما أعرفه أن النقل الحرفي والتواصلية ضدان لا يجتمعان. هذا ما «أغضبني» في أحيان كثيرة لدى سماعي بعض حوارات المسلسل التي انتزع منها كل ما يتعلق بثقافة بيئة الحدث، ولم يتبق منها إلا لغتها الأجنبية التي ظهرت في ملابس محلية لم تتقن ارتداءها.

مثل هذه الحوارات الركيكة سرقت مني في أحيان كثيرة متعة المشاهدة، لأنشغل بتصويبها في مخيلتي:

فماذا لو قال رشاش«رخمة» بدلًا من «خيخة» في مواجهته الأولى مع فهد!

وماذا لو قال عمر للرجل الذي ساعده: «قول لأمي تحللني وتبيحني وترضى علي» بدلًا من «قول لأمي إني أحبها» التي تشبّعنا من سماعها في الأفلام الأجنبية.

ولماذا لم يجد شيخ القبيلة اليمنية إلا عبارة: «أنت الآن ضيف مرحب بك» والتي نُقلت حرفيًا وأسلوبيًا من العبارة الإنقليزية (Now you are a welcomed guest).

توطین السیناریو 

أؤمن تمامًا بأن الاستفادة من خبرات من سبقونا في مجالٍ ما تختصر علينا الطريق، وتكسبنا مهارة وخبرة لم تكن لتتأتى لولاها. وهذا ما شاهدناه عيانًا حين قام على «رشاش» طاقم من أصحاب الخبرة المحترفين أمثال كاتب السيناريو توني جوردن والمخرج كولين كيق.

لكن بطبيعة الحال عندما تدور أحداث العمل الفني في مجتمع ما، فلا أحد يتوقع إلمامًا تامًا بثقافة هذا المجتمع من كاتب أو مخرج لم يعش ضمن مكوناته. بالتأكيد ستُفقَد الكثير من السياقات عند اكتساب معلومات حول ثقافة ما عن طريق وسيط. وفي أفضل الأحوال، لن يشكل هذا المكتََسَب إلا صورة عامة تفتقد إلى الكثير من العمق الثقافي لذلك المجتمع في ذهن المتلقي.

لهذا يجب أن تخضع مثل هذه السيناريوهات الاحترافية المكتوبة بلغات أجنبية لترجمة دقيقة في منطقة تسمى في عالم الترجمة «توطين اللغة» (Language localisation). إذ يكيِّف التوطين كل الرموز والسياقات الثقافية إلى ما يقابلها في ثقافة بيئة الحدث و/أو الجمهور المستهدف.

أستطيع القول بكل ثقة أن مسلسل  «رشاش» لم ينقصه إلّا بناء جسر يربط بين خبراء الصناعة الذين عملوا على كل تفاصيله بمعايير هوليودية، وبين ثقافة لغة الحوار التي أظهرت في كثير من زواياها عجزًا واضحًا في التواصل والوصول.

قد يتمثل هذا الجسر في مترجم خبير بثقافة بيئة الأحداث. يمنحه المنتجون الثقة ليتولى إعادة صياغة السيناريو وأقلمته وتكييفه وفقًا لهذه الثقافة حتى يتكامل مع حجم الإنتاج. هذا ما غفل عنه منتجو هذا العمل الضخم!


اقرأ المزيد في الثقافة
مقال . الثقافة

من موظف جبان إلى نحّات

نرى كيف صوبت القرارات التي اتخذها ثامر الجهني مساره نحو إيجاد شغفه. ويشاركنا وصف أحد مديري البنك له حين كان موظفًا: «إنتَ جبان».
فارس الفرزان
مقال . الثقافة

هوس الكم في المشهد الثقافي السعودي

رغم حصول وزارة الثقافة السعودية على الدعم الملكي، لا يزال الركب الثقافي الرسمي متأخرًا عن مواكبة التطور الشبابي في منصات الإنترنت.
فواز السيحاني
مقال . الثقافة

الصراع حول روح الإسلام

"خلف الأبواب المغلقة وعندما تدخل بيوتهم فسترى صراعًا حول تعريف من هو المسلم الحقيقيّ" هكذا يبدأ أحد البرامج البريطانية مقدمته عن المسلمين.
عيسى المستنير
مقال . الثقافة

التقدم، بين كمال الإنسان ودماره

فسَّر الغرب فكرة التقدم مسارًا خطيًّا يجمع البشرية كافة نحو الكمال وفق مفهوم المدنية الغربية. فهل سنجد الكمال نهاية هذا المسار؟
أحمد زياد
مقال . الثقافة

من بدأ لوحة المفاتيح العربية ⌨️؟

منذ أول ظهور لها في الآلات الكاتبة الميكانيكية ووصولًا إلى لوحة المفاتيح على هاتفك الذكي، تعتبر لوحة المفاتيح وسيلة الإدخال الأساسية، والمستخدمة من...
ثمود بن محفوظ
فلم . الثقافة

حقيقة كسل الشعب السوداني | رحلة مع أنس إسكندر

شعبها يحمل كفن الموت على رأسه، وأرضها مليئة بالخيرات، وعاداتها تختلف، السودان دولة السكينة والبهجة. في الحلقة الثامنة، وصلت إلى دولة السودان وتحديدًا مدينة الخرطوم.
رولا عبدالرحمن