كيف نضبط مؤشر الثقة بالنفس؟
لديّ هاجس دائم بأني غير مقبولة، بأني لا أنتمي للمكان ولا أستحق النجاح. لكني تعلمت مع الخبرة كيف أدحض هواجسي وأضبط مؤشر الثقة بالنفس.
عندما أتحدث عن ثقتي بنفسي فأنا أعني أحيانًا ثقتي في كل مكونات وجودي في الحياة. ثقتي بنفسي مرتبطة بعقلي وروحي وجسدي. ومن جهة أخرى، تصبح ثقتي شيئًا محسوسًا أحمله في حقيبتي للعمل، أو شيئًا أرتديه، كحلية مثلًا في زيارة اجتماعية.
لكن المشترك بين هذه الحالة وتلك أن الثقة التي أملكها تساعدني على الحركة إلى الأمام وإنجاز متطلبات العيش. تعريفٌ لطيف لو فكرت به شخصيًّا. لكن عندما قررت كتابة هذه المقالة اخترت البحث عن مصطلح أكثر انتظامًا، ووجدت أن الثقة بالنفس هي ثقة الفرد في قدراته الخاصة، واعتقاده بإمكانية مواجهة متطلبات الحياة اليومية وتحدياتها. فالثقة ليست مادة محسوسة كما يخيل لي أحيانًا، بل مزيجٌ من مشاعر وأحاسيس وقناعة وإيمان راسخ.
أحوال النفس في ارتفاع المؤشر وانخفاضه
إذا كان ثمة مقياس يضبط ثقتي بنفسي، سيكون المقياس حيث مؤشر الاعتدال مرتبط بتحويل أفكاري إلى أفعال بسهولة شديدة، والانتقال من التخطيط إلى الإنجاز في وقت قياسي. وحيث لا تتمكن مني أسئلتي الداخلية أو هواجس التردد التي تزورني في أوقات أخرى.
وعلى النقيض من ذلك، عندما ينخفض المؤشر، تبدأ الشكوك بمحاصرتي وأحتاج معها إلى نظام لافتات إعلانية ساطعة: أنتِ جيدة كفاية أو أنتِ مستعدة أو أنتِ قادرة. هذه المؤشرات ترتبط بكل جانب من جوانب الحياة، ومن حسن حظي أن ثقتي نادرًا ما تهتز وتنخفض في المجالات كلها في الوقت ذاته.
هذا جيد في حال نظرت إلى ثقتي تجاه عملي ورأيتها متوهجة، بينما تنخفض عندما يرتبط الأمر بلقاء الآخرين أو بمظهري الخارجي. فهكذا سيكون لديّ دائمًا مولدات احتياطية تساعدني على الاستمرار.
من أين تأتي الثقة؟
هذا السؤال الذي أثار فضولي للكتابة والتأمل: هل الثقة وقودٌ ينضب؟ هل هي عضلة نمرنها؟ إذا كان لها مخزون محدد فكيف نعيد تعبئته؟
تُبنى الثقة بداخلنا في طفولتنا وتنمو معنا على مرور السنوات. لذلك وجدت أن تدنِّي الثقة بالنفس يحدث غالبًا بتأثير من مواقف مختلفة من بينها: النشأة في بيئة غير داعمة، أو الانفصال عن العائلة أو أحد أفرادها، أو تأثير أصدقاء الطفولة. Click To Tweet
وماذا عن الأطفال واليافعين الذين يبدأون حياتهم بثقة عالية بأنفسهم ثمّ تنتكس؟
هذا السؤال طرحته على نفسي لأن القصص التي يرويها أفراد العائلة عني تشبه سردًا من الخيال: كنتِ طفلة صاخبة! كنتِ جريئة! كنت تعبّرين عن رأيك بلا تردد أو خوف! فما الذي حدث إذن؟ هذه الثقة المنخفضة جاءت لاحقًا جراء أحكامي الشخصية وتصوراتي الخاطئة عن نفسي. وللأسف هذه الأحكام لا علاقة بينها وبين قدراتي الفعلية.
ما خرجت به من قراءاتي حول الثقة بالنفس أنها تُبنى في وقت مبكر، لكن ذلك لا يعني أن الوقت قد فات إذا كنت في الخمسين مثلًا؛ إذ يمكنني دائمًا تحفيز ثقتي وعلاج اختلالها في أي مرحلة من مراحل الحياة. لن تكون التجربة سهلة لكنها غير مستحيلة.
أنتِ امرأة إذن ستبذلين جهدًا مضاعفًا
عندما عرفت مصطلح «متلازمة المحتال» (The Imposter Syndrome) للمرة الأولى ذُهلت! يصف هذا المصطلح علاقتي بنفسي وثقتي بها بشكل دقيق ومرعب. ولمن لم يسبق له التعرف عليه فهو باختصار تشكيك الشخص بإنجازاته، وخوفه الداخلي من أن يعدّه الآخرون «محتالًا» حتى لو كانت كل الدلائل الخارجية تظهر عكس ذلك.
هذه هي المشاعر التي أحسّ بها عندما أبدأ مسارًا مهنيًّا، أو أجد نفسي في ظروف مختلفة تتطلب جهدًا إضافيًّا أو خطة عمل جديدة. الصوت الداخلي يقول لي أني لا أستحق هذا العمل أو المكان. هذه الحالة مرتبطة أيضًا بكوني امرأة، والدراسات والإحصائيات صادمة بهذا الخصوص. إذ لأنني امرأة، تزداد نسبة قلقي تجاه استحقاقي لترقية مثلًا أو احتفاء، بينما يجد زميلي أكثر أشكال التقدير أقلَّ مما يستحق.
ظاهريًا نملك أنا وهو نفس الإمكانيات والقدرات على إنجاز مهام العمل، لكنّ طبيعته تدعمه وكذلك ظروف أخرى لا يسع المجال للحديث عنها. ويعاني الرجل أيضًا من اهتزاز الثقة، لكنّها لا توقفه عن أداء مهامه.
ولكي أبحث عن إجابة علمية بخصوص هذه الظاهرة وجدت دراسة صادرة عن جامعة كورنيل الأميركية في 2003. وأظهرت الدراسة أن الرجال يبالغون في تقييم قدراتهم وأدائهم، بينما تقلل النساء من كليهما. وعندما ننظر إلى عينة الدراسة نجد أن الفريقين لا يختلفان في أدائهما الفعلي، سواء كان ذلك بكميته أو جودته.
لديّ هاجسٌ دائم بأنني غير مقبولة، أو أن تفوقي وإظهار مهاراتي سيجلب لي الكراهية أو الانزعاج. ولا أحتاج للتعقيب بعد هذه الجملة، والإشارة إلى أنها تصورات غير حقيقية.
حلول ضبط مؤشر الثقة بالنفس
تحدثت في البدء عن مقاييسي الشخصية للثقة، وكيف تتفاوت من وقت لآخر. كلما انتابني هذا الاختلال، عدت إلى قائمة حلول أحبها وأظهرَتْ نجاحها معي.
التعرف على نقاط قوتي الخاصة وتذكرها وكتابتها إذا تطلب الأمر ذلك.
إذا تعثرت أعامل نفسي بلطف ورحمة، وأستبعد الأحاديث القاسية ولهجة التقريع. فتجارب الماضي لا تملي عليَّ خططي المستقبلية.
في المواقف الجديدة أو المربكة أضع لنفسي أهدافًا واقعية قابلة للتحقيق، وبعيدة عن الكمال.
أحرص على نيل التعزيز تجاه الأعمال التي أنجزها، وأيضًا على التقييم المستمر لمعرفة ما يمكنني إصلاحه أو الاستزادة منه.
أعارض تصوراتي الشخصية وأنفيها كلما كانت مؤذية.
أتحدث عن التجارب والنجاحات الشخصية بحبّ واهتمام، وأذكر نفسي بأن تكرارها ممكن دائمًا.
يقلل تخطيط الأشياء من التوتر، ويساعدني على حشد ثقتي مسبقًا.
العمل والتعلم وتحسين قدراتي الحالية. وأكثر ما أعمل عليه مهارات تواصلي كنبرة صوتي وطريقة كلامي وتواصلي البصري، والابتعاد عن التعابير غير اللفظية التي قد تظهرني بمظهر متردد.
أستحضر النكتة أو التعليقات الطريفة أحيانًا لأخفف من توتري.
اتحدث بصراحة عن انخفاض ثقتي، ونادرًا ما يحدث هذا، إذ يعتمد على قراءتي للموقف أو الأشخاص الذين أكون برفقتهم. وفي تلك المرات القليلة وجدت أن التحدث بصراحة يزيل عبء إخفاء التوتر.
تعلمت أن أقول «لا» للطلبات غير المعقولة أو غير المقبولة لدي، التي إن قبلت بها سيكون أدائي غير متوقعًا.
أستخدم قوة التخيل لأرى نفسي في مواقف مستقبلية بثقة ثابتة وقوية بدلًا من تخيل سيناريوهات تعتمد على الخوف وحده.
عندما أفكر في مسألة الثقة وتفاوتها أذكر نفسي بأن كثيرًا من الأشخاص يعانون مثلي ويمرون في مواقف مشابهة يتعلمون منها بشكل مستمر. هذا يدفعني للوعي بالآخرين، إذ دومًا ثمة من يحتاج المساعدة، ومتى ما كنتُ جاهزة لتقديمها وتحفيزه لينتقل لمكان أفضل سأفعل ذلك.
وبدوري لا أتردد أيضًا بطلب المساعدة أينما احتجتها.