الصين تعيد هندسة الإنسان
أحدث صناعة ترليونية، قامت على الصفر والواحد. وأما الصناعة الترليونية القادمة، فستقوم على جيناتنا، نحن بني البشر، إنها الجينات الرقمية.
أحدث صناعة ترليونية، قامت على الصفر والواحد. وأما الصناعة الترليونية القادمة، فستقوم على جيناتنا، نحن بني البشر، إنها الجينات الرقمية.
في كل مكان في العالم، كانت هناك محاولة لنسخ تجربة سيلكون فالي. فنجد الأودية في كل شارع كما لو أنّها مجرد وادٍ! الصين، علمت تمامًا أنّ سيليكون فالي غير قابل للنسخ تحت أي شكل. فكل شركات التقنية كآبل وجوجل وتويتر والبقية من الشركات التي لا حصر لها، تعيش في بيئة خصبة لمثل هذه المشاريع. بدأتها الولايات المتحدة، قبل أن يصل الإنترنت لمعظم دول العالم.
فقررت الصين أن تبحث عن ماذا؟ الصناعة الترليونية المقبلة. نعم، إّنها صناعة الجينات. فبدأت تجهّز البيئة التي تغري كل الباحثين والعلماء والشركات.
يزداد شغف العلماء يومًا تلو آخر لفتح آفاق جديدة. فخلال العقود الأخيرة، لاحظنا الكثير من التقنيات التي ساعدت الإنسان على البقاء. كزراعة القلب الاصطناعي، وزراعة الأعضاء، وغيرها من التطورات التقنية الطبية التي جعلت الإنسان يعيش لفترة أطول، وبحياة أفضل.
ولكن، هل من الممكن أن نصل إلى مرحلة نستطيع فيها تصميم وهندسة أطفالنا؟ كيف ستكون ألوان عيون الطفل؟ زرقاء؟ ماذا عن طوله ووزنه؟ أيكون طفلك لاعب كرة قدم ماهر؟ أم بارع في علوم الرياضيات؟ هل سيتساقط شعره في عمر مبكر؟
أسابيع من معاينة الحمض النووي
اسمع لهذه القصة، قصة لوكاس ورتمان (Lukas Wartman)، المتخصص في علم الجينات في معمل في جامعة واشنطن في سان لويس. اكتشف أن لديه ورم سرطاني في عام 2003. وأتاه ثانية، والثالثة كانت في عام 2011. في المرة الثالثة، كانت حالة ميؤوس منها، إلاّ أنّ زملاءه في المعمل، حاولوا أن ينقذوه، فجربوا مالم يجربوه من قبل، جرّبوه من أجل صديقهم.
فأخذوا عينتين من الحمض النووي DNA للوكاس، عينةً وهو صحيح، وأخرى، وهو مصاب بالسرطان. وقارنوهما.
كل أنواع السرطان، تبدأ من عطبٍ في الـ DNA والـ RNA. فهو يصبح معطوبًا مع مرور الوقت، أو من خلل وراثي، أو من عوامل خارجية، كالتدخين مثلاً، الذي مع مرور الوقت، يغيّر بعض الخلايا. فعندما تتغير بعض خلايا الدن إن إيه، والأر إن إيه، وهما اللذان يعملان مع بعض لتكوين البروتين، ينتج عطب. عندها، لا يستطيعان السيطرة على العمل مع خلايا غير صحيحة، مما يكوّن ورمًا.
وفي حالة لوكاس، عمل الباحثون على معرفة ما إذا كان الدي إن إيه، هو المسؤول على برمجة جينات سيئة، أم أن الأر إن إيه، يصنع بروتين غير صالح. وبعد أسابيع من معاينة الحمض النووي الصحيح مع الآخر المسرطن للوكاس، وجدوا الجين المسبب للورم. وحينها، صُرف له دواء يباع في الصيدلية.
لك أن تتخيّل، أنّه في بادئ الأمر كان مخطط أن يبدأ جرعات علاج سرطان الكبد. إلا أنّ معرفة خلايا الجينات، جعلته بعد هذا الدواء بأسابيع، يعود لحياته الطبيعية. وحتى اليوم، لم يعد السرطان للوكاس.
“ما جعل مسألة علاج كل الأمراض، مسألة وقت”
واليوم، يعمل العلماء على معرفة تعقيدات المخ، من خلال فك شفرات الحمض النووي للإنسان. فكما أن السرطان يتضح في العينات بين الحمض النووي، استطاع العلماء التوصل لفهم تصميم الحمض النووي في أصعب تركيباته، وهو في الأمراض النفسية، كالاكتئاب وثنائي القطب وغيرها.
فنحن على مشارفِ مستقبلٍ نستطيع فيه أن نحدد الخلية الجينية المسؤولة عن السرطان، ونصححها ليعود الإنسان صحيحًا. مستقبل، تستطيع أن تتنفس الهواء من رئتين زرعت لك من مزرعة الحيوانات. مستقبل، يتم توصيل العلاج من أفضل مستشفيات العالم، إلى فقير في دولة نائية. حيث يمكن فهم تصميم الحمض النووي للإنسان، مما جعل مسألة علاج كل الأمراض، مسألة وقت.
وكما أنّ مثال لوكاس يبدو ذو تكلفة بسيطة نسبيًا، قد نظن بأن تكاليف الأبحاث في علم الجينات كذلك، غير أن أول مسحٍ للحمض النووي DNA كلّف 2,7 مليار دولار، وهذا كان في عام 2003. ولكن التكلفة بدأت تنخفض عامًا بعد آخر بشكل مهول. حتى أنه أصبح مجالاً طبيًا مغريًا تجاريًا. ففي عام 2013، قدّر حجم سوق صناعة الجينات بأكثر من 11 مليار دولار، وهو ينمو نموًا لا يستطيع أحد تخيله.
إذ يشبّه الخبراء سوق صناعة الجينات اليوم، بالتجارة الإلكترونية في عام 1994. تخيّل!
مشروع الجينات البشرية
اليوم تنفق الصين المليارات في تأسيس بيئة تجعل من الصين موطنًا لكل مشاريع الجينات وتعديلها في المستقبل. حيث أسست معهدِ بكين للأبحاث الجينية في عام 1999، ليكون القوة الكامنة وراء مساهمات الصين في “مشروع الجينات البشرية”. لديها الآن، المعهد الأكثر تقدمًا في العالم في هذا المجال، والأكثر غزارة في الإنتاج. حيث قفز عدد الدراسات التي يقوم بها في معهد بكين من دراسات تعد على الأصابع، إلى مئات الدراسات في السنة الواحدة – يساهم بها علماء من جميع أنحاء العالم.
الصين اليوم، هي تغري العلماء بالمال، وغدًا، سيصبح تجمّع العلماء في مكان واحد، إغراء بحد ذاته للعلماء الجدد. إذ تعتقد الصين، أنّ السيطرة على مثل هذا المجال، سيجعلها تمسك بزمام القوى في المستقبل.