لِم لا يزال خط أرباح الشركات مسطّحًا رغم النموّ الاقتصادي في دول الخليج العربية
يبحث في هذا المقال طارق فضل الله عن أسباب تسطح أرباح الشركات في منطقة الخليج بالرغم من تصاعد النمو الاقتصادي.
رغم كل التقلبات والدورات الاقتصادية التي مرَّت بها أسواق المال منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تمكّن اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي من تحقيق نموٍّ ملحوظ. فمنذ عام 2005، شهد اقتصاد المنطقة نموًّا بمعدل 140%، أي أصبح أكبر بما يعادل ضعفين ونصف.
لذا من المنطقي الافتراض أنَّ الأرباح التي جنتها «الشركات الفردية» شهدت هي الأخرى نموًّا في تلك الفترة. غير أنَّ هذا ليس واقع الحال، على الأقل بالنسبة لتلك المدرجة في البورصات الخليجية، والعاملة في قطاعات السلع والمقاولات والاتصالات والعقارات والخدمات.
الربط الدائم بين أرباح الشركات وأسعار النفط
تشير البيانات التي جمعتها «مارمور» للأبحاث بناءً على نحو ستمئة شركة مدرجة في السوق الخليجية- باستثناء البنوك وأرامكو السعودية، وذلك لأثرها في تحريف النتائج لا سيما بعد الاندماجات المصرفية مؤخرًا– إلى أنَّ خط الأرباح ظلَّ مسطحًا دونما أي تغيير على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية.
ويوضح الرسم البياني أدناه أنَّ مجموع أرباح الشركات المدرجة عام 2005 بلغت 26.7 مليار دولار، ويتوقع أن يبلغ المجموع هذا العام أربعةً وعشرين مليار دولار مع تعافي الإقليم من جائحة كورونا. يعني ذلك أننا سنشهد انخفاضًا بمعدل 10% في سعر صرف الدولار، وهذا دون احتساب معدلات التضخم.
ثمة عدة أسباب خلف هذا الانحراف في النتائج، لكن السبب الأوضح الربط الدائم بين أسعار النفط ومكاسب الشركات. حتى وإن لم تكن أي شركة من تلك الشركات تعمل بشكل مباشر في قطاع الطاقة واقعيًّا. كما نرى، يوضح الرسم البياني نزوع أرباح الشركات إلى التأرجح على نحوٍ ترادفيّ مع أسعار النفط. وذروة مجموع الأرباح البالغة 37.7 مليار دولار عام 2014 إنما تحققت على حساب ارتفاع أسعار النفط في الفترات السابقة.
يؤكد هذا الارتباط المتأرجح الشبيه بساعة الرقّاص اعتماد قطاعات الاقتصاد (غير النفطيّة ظاهريًّا) على النفط، ويشكل تذكيرًا قويًّا لأسباب كون التنويع الاقتصادي ما يزال تحديًّا كبيرًا.
تبدل سياسات السوق الاقتصادية الخليجية
بطبيعة الحال، ثمة أسباب أخرى. منها حقيقة اقتطاع هامش الربح حتى النصف تقريبًا إثر تخفيض الدعوم وارتفاع الضرائب (بما فيها ضريبة القيمة المضافة). وكذلك ارتفاع تكلفة التشغيل وارتفاع التنافسية في ظل تصاعد سياسة رفع القيود.
أدت كل الأسباب المذكورة على مرّ العقد المنصرم إلى انشطار مقاييس ربحية رئيسة حتى النصف، مثل العائد على الاستثمار في السعودية، تاركةً المدراء في تخبّطٍ بحثًا عن حلول. أما شركات أخرى، على غرار شركة الاتصالات السعودية، فكانت على قدر التحدي. واستثمرت بشكلٍ كبير في تطوير عملياتها وتجديدها وتكييف عروضها ومنتجاتها.
ورغم ذلك، ما تزال العديد من الشركات عالقة في مكانها. ليبدي المراقبون قلقًا مبرّرًا حول مستقبل تلك الشركات واحتمالات تقدمها وتحقيقها الأرباح.
أصبحت الرسالة في المنطقة الخليجية بأسرها واضحة: سيصعب الوضع على الأعمال التي ستواصل نهجها الاعتماديّ على الكرم الحكومي الزائد والإنفاق المرتبط بمداخيل النفط أكثر وأكثر في تلبية توقعات مساهميها. إذ تركز الحكومات الخليجية الآن على تأمين بيئة جاذبة للشركات، تساعدها على التطور والنمو، بينما تبتعد في الوقت ذاته أكثر وأكثر عن نهجها الأبوي التقليدي.
ففي ظل انحدار مقاييس اقتصادات المنطقة وضبابية التوقعات حول مستقبل الوقود الأحفوري على المدى الطويل، مع السعي العالمي نحو تحقيق انبعاثات كربونية منخفضة، يبقى الهدف الأهم لدى الحكومات تحقيق الاستدامة المالية. Click To Tweet
لم تعِ كل الشركات هذا التبدل البنيوي، بينما ستصبح الفجوة بين الشركات التي ترقى إلى التحدي، وتلك التي تصر على استراتيجياتها العتيقة، أكثر وضوحًا على مر الشهور والأعوام القادمة.