تخيّل الحياة بدون نفط

تناقش الكاتبة مشاعل «مالذي سنفقده لو عشنا بدون نفط؟» ويظهر أن هذا العنصر يتجاوز كونه وقود ويمتد لكافة أمور حياتنا.

قضينا القرن الماضي في بناء حضارة بشرية تعتمد على النفط، جاعلة منه المنبع الأساسي لهذا العالم المعاصر. نضوبه وزواله حقيقة يتجنبها البعض أو يستأخرون حدوثها، لكن ماذا لو جفت آبار النفط  فجأة؟ ماذا لو استيقظنا على خبر استخراج آخر برميل نفط في العالم؟ كيف ستبدو حياتنا بلا نفط؟ والأهم ما هو البديل له؟

عالمٌ بلا نفط..

تحدثتُ في مقالة كل شيء نستخدمه مصنوع من النفط عن مدى انتشار النفط في حياتنا، وعن الكمّ الهائل من المواد الاستهلاكية اليومية التي يدخل النفط في تركيبها. اعتمادنا الكلي على هذا المصدر الوحيد الناضب يثير في نفسي القلق، فعدم وجود النفط يعني عدم وجود أيٍ من تلك المواد الاستهلاكية، مما يعني انعدام حياتنا أيضًا ، قد يرى البعض المبالغة في هذا القول. لذا دعونا نتخيل سويًا الحياة بلا نفط.

عند سماعك لكلمة نفط  يتبادر إلى ذهنك الوقود، وهو أمر بديهي فـ 90% من الوقود يستخرج من النفط. فالسيارات، والطائرات، و الدراجات النارية، والسفن، وكل ما يحوي محرك احتراق داخلي يعمل على أحد مشتقات النفط، وقد يبدو جليًا  الآن أنه بانعدام النفط فإن أي من هذه المركبات والمحركات سيكون بلا فائدة تُذكر، بل وسيصبح النزاع الأكبر على الخيول والدراجات الهوائية، ففي غضون أسبوعٍ واحد فقط ستتوقف محطات الكهرباء عن العمل، وستُشل المصانع والمستشفيات تبعًا لذلك وحتى وجود مولدٍ احتياطي لن يفي بالغرض فهو على الأرجح يعمل بالديزل.

سكان المناطق الريفية قد يبدون في البداية هم الأوفر حظًا فباعتمادهم الكلي على المحاصيل الزراعية في غذائهم والحيوانات في تنقلاتهم  قد لا يكون اختفاء النفط ذا ضرر واضحٍ عليهم، ولكن سرعان ما ستنقلب حياتهم لجحيم، فبمجرد انقطاع الكهرباء في المدن وتوقف شحنات الطعام من الوصول للمتاجر. حتى يصبح الريف الحل الوحيد لسكان المدن المتضررة، ليتحول من مزارع واسعة ومنازل قليلة إلى تجمعات بشرية تتقاتل للقضاء على المخازن الغذائية والمحاصيل الزراعية وكأنها سرب من الجراد،  ستسقط جميع القوانين  والأنظمة بانتشار الفقر والجوع، وستنتشر الجماعات المسلحة لنهب المؤن والوقود المتبقي، وستعم الفوضى المكان.

يشير العديد من العلماء أن ما يقدر بنصف سكان الدول المتقدمة سيموت جوعًا في غضون أشهر قليلة من اختفاء النفط، والعدد في ازدياد مع مرور الوقت، ومن المفارقات العجيبة هو أن أفقر سكان العالم في الدول النامية لن يتأثروا بذلك  نسبيًا.

سيُصبح الإنترنت هدرًا للطاقة..

الجوع ليس المشكلة الوحيدة فجميع المستلزمات الطبية والأدوية ستختفي باختفاء النفط، فلا وجود للبلاستيك ولا اللدائن ولا لمختبرات الأدوية ،مما يعني تفشي الأمراض بين الناس وسرعة انتقال العدوى، وبانخفاض الرعاية الصحية فإن متوسط عمر الإنسان سينخفض عن المتوقع وسيصبح عدد سكان العالم الناجين مليار ونصف المليار فقط. الإعلام والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ستصبح جميعها شكلًا من أشكال الترف، فلا ضرورة لهدر الطاقات المتبقية في ذلك، وستبدأ دول العالم بالانعزال لتعيش كل دولة وكأنها وحيدة على هذا الكوكب.

مجرد تخيل ذلك يبدو مزعجاً ومخيفًا، فلماذا الانتظار حتى يصل بنا الحال إلى ما نخشى؟! إيجاد مصادر متجددة للطاقة وبناء المدن المستدامة وتدوير النفايات لم يعد خيارًا بعد الآن ولا قرارًا يحتمل التأخير. فنرى اليوم دولًا مثل ايسلندا والنرويج وهي تعتمد على الطاقة المتجددة في توفير ما نسبته 97%-100% من احتياجاتها  الكهربائية، وبالأخص الطاقة الحرارية الأرضية في تدفئة المنازل، والطاقة الكهرومائية لأغراض الإنارة وتوليد الكهرباء للاستخدامات الصناعية وما شابه. نضوب النفط قد لا يعني بالضرورة نهاية العالم إذا وإذا فقط استطعنا إيجاد البدائل من الآن.

التقنيةالطاقةالطاقة المتجددةالمستقبلالسلطة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية