كيف شكلت حرب الخليج العلاقات الأميركية السعودية؟
شكّل غزو صدام لدولة الكويت تهديدًا لسوق النفط العالمي والاستقرار الدولي، وبمصالح متبادلة وقفت السعودية بجانب أميركا لردع الغزو.
في أواخر عام 1989 وقبل قرابة العام من وقوع حرب الخليج الثانية، اجتمع الجنرال الأميركي ورئيس القيادة المركزية الأميركية، نورمان شوارزكوف، بالسفير الأميركي بالرياض تشارلز فريمان -حسب ما أخبرني به الأخير- لوضع تصور حول الخطر المحدق بدول الخليج العربية، بعد أفول قوة الاتحاد السوفييتي وخسارته في المسرح الأفغاني.
رأى الاثنان أن الخطر المحتمل قد يصدر من إيران أو العراق، لكنهما اتفقا أن نظام صدام حسين يشكل التهديد الأكبر لأمن المنطقة.
عزم شوارزكوف على إجراء تدريبات عسكرية في المنطقة بين التاسع من يوليو والرابع من أغسطس سنة 1990، لكن الحكومة الكويتية حبّذت تأجيلها. وفي الثاني من أغسطس ذات السنة، بدأ الغزو العراقي المخطط له على دولة الكويت.
لماذا كان لزومًا على أميركا ردع الغزو العراقي؟
جسَّد احتلال العراق دولةً صغيرة مثل الكويت تهديدًا كبيرًا لدول العالم وإقليم الشرق الأوسط تحديدًا. إذ كان من الممكن أن يسن السكوت وعدم ردع العراق بردٍّ حازم سابقة خطيرة في النظام العالمي الجديد، ويفسح المجال لأية دولة قوية لضمّ دولة أصغر منها بقوة السلاح.
كذلك زادت صعوبة التوقع بأفعال نظام صدام حسين، والذي اتخذ من سيكولوجية العنف منهجًا، من مخاوف تماديه واحتلاله ساحل النفط الخليجي في حال السكوت عن غزوه الكويت. فباحتلاله الكويت، امتلك العراق نحو 19% من احتياطات النفط العالمي، مع 600 مليون دولار إضافية تدخل ميزانيته شهريًّا. وما كان المجتمع الدولي ليقبل بترك استقرار سوق النفط وإمداداته رهينة نظام أرعن لا يحسب عواقب تصرفاته.
ويذكر القائد السعودي للقوات المشتركة، الأمير خالد بن سلطان، في كتاب «مقاتل من الصحراء» أن مسألة هجوم العراق على السعودية أو عدمه بعد احتلال الكويت، أصبحت ثانوية بالنسبة لقدرة صدام على فرض السياسة النفطية والخارجية للمنطقة. وتجعلنا كل هذه الأسباب نستوعب حجم التهديد الذي واجهته السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وأهمية التحرك لعكس ما فرضه صدام على أرض الواقع.
النظام العراقيّ يقف وحيدًا أمام حزم القرار الدولي ضد حرب الخليج
في نفس يوم الاجتياح، مرر مجلس الأمن القرار رقم 660 الذي يدين الغزو العراقي للكويت، وطالب العراق بالانسحاب الكامل من الأراضي الكويتية. ولا شك أن تمرير هذا القرار يعد لحظة تاريخية وقفت فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي جنبًا إلى جنب لرفض الفعل العراقي. لكنه يرمز كذلك إلى انتهاء الحرب الباردة بين الطرفين ويرسل رسالة واضحة إلى النظام العراقي مفادها أنه لن يستطيع الاعتماد على المعسكر الشيوعي.
وبالرغم من أهمية هذا القرار الدولي، اتسمت الصورة بين واشنطن والرياض في الأيام الأولى بعد الغزو بالضبابية.
يذكر ريتشارد هاس أن الرئيس جورج بوش الأب كان قلقًا في الاجتماع الأول لمجلس الأمن القومي، حينما صرّح بعض مسؤوليه بعدم إمكانيته القيام به بشأن غزو الكويت ولا بد من حصر السياسة الأميركية في منع تكرار ما حصل مع الكويت للمملكة العربية السعودية.
في الثالث من أغسطس، تغير المزاج العام في الاجتماع الثاني لمجلس الأمن القومي، عندما افتتحه مستشار المجلس برينت سكوكرفت بوجوب عدم مهادنة الولايات المتحدة العراق في فعلته. وأيده في رأيه وزير الدفاع ديك تشيني الذي أضاف أن صدام قد يعتدي على السعودية ودول أخرى إذا لم يجد عدوانه على الكويت ردًّا حاسمًا.
التحرك الأميركي السعودي وسياسة الردّ الحازم
في اليوم التالي، تداولت الإدارة الأميركية الخطط العسكرية التي قدمها الجنرال باول والجنرال شوارزكوف، وارتأت وجوب إرسال قوات عسكرية إلى الأراضي السعودية. لكن التخوف من رفض السعودية استقبال القوات الأميركية على أراضيها لاح على رؤوس إدارة بوش.
في أول مكالمة هاتفية مع الرئيس جورج بوش الأب بعد غزو الكويت، عبّر الملك فهد عن قناعته بوجوب تحرير الكويت بكل الطرق الممكنة، وأنه لا يمكن التعامل مع صدام إلا بالقوة. ويجدر الإشارة هنا للتساؤلات التي اعترت القيادة السعودية حول مدى جدية إدارة بوش وقدرتها على بذل كل ما ينبغي بذله لعكس ما فعله صدام وتحويط الخطر الذي يشكله عليها.
بالإضافة، ذكر لي الأمير تركي الفيصل أن السعودية أرادت من إدارة بوش إفشاءً كاملًا حول الدعم الممكن تقديمه في سبيل إنهاء حرب الخليج، وكذلك أراد الأميركيون سماع جوابنا على نفس السؤال.
أخذت الصورة تتضح للدولتين في الرابع من أغسطس، عندما عبّر جورج بوش الأب للملك فهد لزوم إرسال قوات أميركية فورًا إلى السعودية، وإلا قد يحتل صدام المنطقة الشرقية بعد نشوته بغزو الكويت. وعبَّر أن أمن السعودية حيوي ورئيس للمصالح الأميركية. في نفس اليوم، قابل سفير السعودية في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، بعض أعضاء إدارة بوش مستفسرًا لم على السعودية أن ترغب بحماية من الولايات المتحدة؟
أعتقد أن هذا السؤال امتداد للتساؤل الذي كان يدور في أوساط القرار السعودي عن مدى جدية واشنطن، وأراد بندر الحصول على ضمانات جادة من الإدارة الأميركية، في حال اتخذت الرياض موقفًا حازمًا تجاه العراق.
طلائع الجيش الأميركي تصل إلى السعودية
قابل تشيني وباول وفريمان الملك فهد في السادس من أغسطس، ليعرضوا عليه الخطة العسكرية بشكل كامل. واتخذ الملك فهد في حينها أكبر قرار مصيري في عهده باستقبال القوات الأميركية في السعودية. ووصلت أولى طلائع الجيش الأميركي للسعودية في الثامن من أغسطس.
كان التحدي الأكبر للإدارة الأميركية البرهنة لمجلس الشيوخ وللمجتمع الدولي أن كل الوسائل الدبلوماسية السلمية لن تجدي بإقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت. فانتهجت الاستراتيجية الأميركية خلال الأشهر الخمسة التي تلت الغزو ثلاثة أساليب.
زيادة العقوبات الاقتصادية والعسكرية على العراق.
تكثيف التواجد العسكري الأميركي والدولي في المملكة العربية السعودية.
السعي لبناء توافق دولي حول ردع العدوان العراقي تحت مظلة الأمم المتحدة والجامعة العربية.
بالإضافة لذلك، أخبرني السفير فريمان أن التحضيرات العسكرية الفعلية لتحرير الكويت بدأت في أكتوبر 1990. وبلغ التواجد العسكري الأميركي قبل تحرير الكويت نحو نصف مليون جندي.
هاتف الرئيس بوش القيادة السعودية في ديسمبر، لينقل تقديره بأن صدام حسين لن ينسحب من الكويت. ورد عليه الملك فهد بأن رأيه ورأي السعودية حكومةً وشعبًا يخوله اتخاذ كل ما يجب اتخاذه لتنفيذ الأهداف الساعية لتحقيق العدالة في ردع أطماع صدام حسين.
انتهت المهلة التي حددها القرار 678 الصادر من مجلس الأمن بالانسحاب غير المشروط للقوات العراقية من الكويت في 15 يناير 1991 وسط رفض عراقي بالانسحاب. وبعدها بيومين، أثمر التحالف الخليجي-الأميركي تحت مظلة قوات الحلفاء عن انطلاق عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت.
وقتذاك شكل هذا التحالف الهادف إلى طرد القوات العراقية من الكويت أكبر تجمع عسكري في تاريخ البشرية، هدفٌ تحقق في 28 فبراير 1991. وشكلت هذه الفترة ذروة أهمية التحالف الأميركي السعودي لاستقرار المنطقة، تحالف لم تكتبه اتفاقيات رسمية.
دبلوماسية السياسة النفطية السعودية مع واشنطن خلال حرب الخليج
تجدر الإشارة إلى أن سعر برميل النفط تضاعف بسبب الغزو العراقي للكويت. وذكر أحد المسؤولين الأميركيين أن كسادًا اقتصاديًا ينتظر أميركا في حال لم تزد المملكة العربية السعودية من إنتاج النفط. وفي أواخر أكتوبر 1990، زادت السعودية الإنتاج من حوالي 5.5 إلى أكثر من 8 مليون برميل باليوم، إثر طلب من الرئيس جورج بوش الأب وسفيره للملك فهد.
كانت هذه الخطوة محورية لتقليل مخاوف بعض أعضاء مجلس الشيوخ والدول المستوردة للنفط من تذبذب إمدادات سوق النفط وارتفاع سعره وتأثيره على الاقتصاد العالمي، وكانت كذلك محل تقدير لدى القيادة الأميركية. وهذا يشير إلى أهمية السياسة النفطية السعودية -التي كانت ولا تزال تؤثر في علاقتها مع واشنطن- كأداة دبلوماسية فعالة تحقق الأهداف الاستراتيجية.
قد تعكس مسألة حرب الخليج الثانية الفشل الاستخباراتي الثقيل في معرفة نوايا صدام العدوانية وتجاهل تحذيرات وكالة الاستخبارات المركزية بحتمية الغزو منذ شهر يوليو، لكن قضية تحرير الكويت تمثل نموذجًا ناجحًا في تاريخ العلاقات الأميركية السعودية.
وتبين لنا أن التعاون بين هاتين الدولتين -عندما تلتقي مصالحهما- ينعكس إيجابًا على استقرار المنطقة وسوق النفط والاقتصاد العالمي ككل. ولهذا فلا بد من التركيز على المصالح المتبادلة بين الطرفين للحفاظ على حيوية وقوة العلاقة.