رحلة 404 : عندما تطاردك خطايا الماضي

فلم «رحلة 404» يمثل مفاجأة سعيدة بكل تأكيد، وتستكمل فيه منى زكي سلسلة انتصاراتها الأخيرة.

رحلة 404 / تصميم: أحمد عيد
رحلة 404 / تصميم: أحمد عيد

رحلة 404: عندما تطاردك خطايا الماضي 

محمود مهدي

إن مفاهيمَ مثل التوبة ومطاردة الماضي والتمرد على البيئة المحيطة والصراع بين صعوبة البقاء على الطريق الصحيح -مقابل سهولة الاستسلام لإغراءات الخطيئة- ليست جديدة على السينما عمومًا ولا جديدة على السينما المصرية خصوصًا في عصورها الذهبية. فقد شاهدنا أفلامًا كثيرة على مر السنوات، بعضها مأخوذ من أعمال أدبية وبعضها من سيناريوهات أصلية، وأغلبها كان شديد التعمق في مختلف طبقات تلك المفاهيم المعقدة سواء كان صاحب المعضلة رجلًا أم كانت إمرأة. تحضرني سريعًا أفلام مثل «المرأة المجهولة» و«خلي بالك من زوزو» ثم «المشبوه» ثم «كشف المستور»... إلخ، ثم تزداد الأمور صعوبة. 

فمع انطلاق الألفية الجديدة قلَّما شاهدنا أي فلم مصري يتناول مفهومًا إنسانيًا عميقًا، حتى أننا نسينا قدرة صناعتنا على التصدي لأي شيء جاد وصادق، إلى أن جاء «رحلة 404» ليذكِّرنا.

في فلم «رحلة 404» نشاهد «غادة» التي تعمل في مجال مبيعات العقارات وهي تستعد لرحلة حج مع والدها. سريعًا نفهم أن مسؤوليات غادة جسيمة وأن علاقاتها بوالدها ووالدتها وأختها غير عادية وتمتلئ بإشارات إلى توتر كامن. ثم يتفجر الموقف بينها وبين والدتها فيقع حادث صادم يضيف إلى مسؤولياتها ضرورة تدبير مبلغ كبير على وجه السرعة. وهنا تعرِّفنا «غادة» على ماضيها غير المشرّف ونخوض معها رحلة أخرى تعيد فيها زيارة محطات الخذلان والأطماع والابتزاز من تاريخها الذي يفتح ذراعيه مرحّبًا بها مرة أخرى. فهل تستسلم أم تتمسك بتوبتها وترفض كل الإغراءات؟

أول اسم نلتقيه في «تيترات» فلم «رحلة 404»، أو ربما أول اسم أنتبه له، هو مصممة الملابس مروة عبد السميع. وملابس الفلم هي بوابة عالمه الساحر؛ فالتأمل في ملابس شخصية «غادة» أولًا ثم بقية الشخصيات يقدم بطاقة تعريف لحاضرهم وماضيهم ويدل على درجة العناية الإنتاجية التي تمتع بها الفلم. الإطار الزمني لأحداثنا ضيق على حين أن الإطار الجغرافي شديد الاتساع؛ يمكن مقارنته بشكل كبير بفلم «فارس المدينة» لمحمد خان مع تشابه الهدف واختلاف الدوافع والفلسفة. 

لم أشعر إطلاقًا أن الفلم يلجأ إلى تسيير أموره أو سلك الطرائق المختصرة. المواقع الخارجية كثيرة والمواقع الداخلية كذلك كثيرة ومتنوعة وقلما نزور المكان نفسه مرتين، وثمة سخاء واضح في توفير عناصر متعددة تحدثنا عن الشخصيات وعن الواقع بمنازله ومكاتبه وسياراته وجوّالاته.

على صعيد المنظور يتمحور كل شيء حول «غادة» بتجسيد من منى زكي، ويمكن ترقيته إلى السطر الأول في مذكرة الدفاع عن كونها من أهم الممثلات في تاريخ السينما المصرية. مرحلة جديدة من الإجادة من المبهر أن تأتي بعد مسلسلي «لعبة نيوتن» و«تحت الوصاية» لتؤكد أن الجعبة ما زالت تحوي المفاجآت. 

فلم «رحلة 404» ينطلق من تحديات الحاضر لكنه شديد الانغماس في الماضي، ومن المثير للإعجاب أن هذا يتم دون أي مشهد «فلاش باك» واحد ودون أن يشعر المشاهد أنه أمام أي سرد لخلفيات منفصل عن حوار طبيعي بين شخصيتين. هنا تفاجأت بقدرات منى زكي التجسيدية العابرة للزمن؛ فتباين انفعالاتها في كل موقف يبدو مستعارًا من شخصيتها في كل مرحلة زمنية. تجسيد مشاعر الحقد والغل في محاولة انتقامها من حبيبها القديم لا يشبه تجسيدها مشاعر القسوة والرغبة في إيذاء زوجها السابق. ويمكن تطبيق ذلك على كل تفاعلات «غادة» مع كل الشخصيات؛ فتفاعلاتها مع جميع من حولها منذ بداية الأحداث تبدو غريبة وغير مألوفة.

أعتقد أن أكبر دليل على انفراد منى زكي بدور البطولة في أحداث فلم «رحلة 404» هو أن «تيترات» الفلم تخلو من أي دور مساند. كل الشخصيات المؤثرة الأخرى تم عدّها ضيوف شرف على رغم أن حضور الكثير منهم كان محسوسًا وأهميتهم في دفع الأحداث ملموسة. أهم اسمين في قائمة ضيوف الشرف هم محمد ممدوح ومحمد فراج، في إعادة لمثلث الدراما الثري الذي جرى تقديمه في مسلسل «لعبة نيوتن». والثنائي قدم أداء لافتًا ومتقنًا ومتفجرًا على صعيد الانفعالات في الأوقات المناسبة. كذلك لدينا أداء رائع من محمد علاء ومن سما إبراهيم في دور زوجة الأب. أما الأداء المُساند المفضّل عندي فهو للممثل الكبير حسن العدل في دور الأب. 

الفصل الأول في الفلم الكامل بدا مثل كومة من صناديق المفاجآت، لعدم قدرة المُشاهد على توقّع الشكل الذي سيكون عليه كل لقاء وكل حوار. ولكن الأكثر إثارة في تقديري كان الحوار الأول الذي جمعها بوالدها والذي فتح الباب لعلاقة تنقلب فيها مقاييس القوة وامتلاك مقاليد القرار وصولًا إلى فصل النهاية. 

عندما نتناول الفلم من موقعه بين أقران حقبته ومرحلته فهو متفرد بكل تأكيد ولا يشبهه إلا القليل. ولكن عندما ننقل التناول إلى ميدان أهم الأعمال المتشابهة عبر التاريخ تظهر بعض الشوائب تحت المجهر. منها اعتمادنا الكبير على الصدف، فـ«غادة» دائمًا في المكان غير المناسب في الوقت غير المناسب أو ربما في الوقت والمكان المناسبين لتوفير أكبر الكوارث وأشدها وطأة. بعض الصدف قادتنا إلى مكافآت مجزية وبعض آخر ترك انطباع الدخيل بلا إضافات مهمة، مثل تسلسل المرأة المريضة التي تصادفها «غادة» على السلّم. كذلك روح المشاهد الراضي عن نهاية الفلم بشكل كبير تُصارِعها في داخلي روح الناقد الذي لم يتوقع أن تقودنا الأحداث إلى دائرة مغلقة بشكل محكم. أعتقد أن عبثيات الواقع كانت تستحق تمثيلًا أكبر.

فلم «رحلة 404» يمثل مفاجأة سعيدة بكل تأكيد، وتستكمل فيه منى زكي سلسلة انتصاراتها الأخيرة، ويعود فيه المخرج هاني خليفة إلى «فورمة» أفضل أعماله (سهر الليالي)، ويقدّم من خلاله محمد رجاء نفسه كسيناريست صاحب ذهن متمرد وأدوات جادة بصرف النظر عن الرائج والمضمون. 

وأكثر ما أعجبني في الفلم هو اتخاذ الجرأة في الموضوع ولغة الحوار وسيلة وليس غاية. سمعت كثيرين يتحدثون عن حساسية بعض تسلسلات الفلم وعدم ملاءمته للمشاهدات العائلية، وهم على حق طبعًا، ولكن لم يكن هذا أبدًا أول ما يتحدثون عنه. الجرأة والحساسية هنا أدوات لرفع الحدة ولخلق المخاطر وتبيين هول الاختيارات والقرارات المطروحة.

تقييمي لفلم «رحلة 404» هو 10/8، وهذا ليس تقييمًا تشجيعيًا كعادتي مع الأفلام المصرية الواعدة، بل تعبير عن قيمة الفلم الحقيقية بين أقرانه على مستوى الزمن والجدية. 🍿🤩


اقتباس النشرة

فلم «The Banshees of Inisherin»
فلم «The Banshees of Inisherin»

أخبار سينمائية

  • أعلن معالي المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه عن إنشاء صندوق «Big Time» الاستثماري، لرفع جودة المحتوى العربي في إنتاج وتوزيع الأفلام التي يشارك بها كبار نجوم الفن في الوطن العربي، بالإضافة إلى إعلان التعاون المشترك بين السعودية ومصر في السينما والمسرح والدراما، «متحمسين لأعمال من الطراز الرفيع» ⭐️

  • وضح الكوميدي باسم يوسف اللبس حول إزالته من فلم «Superman Legacy» وصرّح بأنه قبل لقائه مع بيرس مورقان قابل المخرج جيمس قان وبعدها بفترة، تغير النص واستُبعدت شخصيته. طبعًا كلنا عارفين «تغيير النص» بسبب موقفه وكلامه عن اللي صار ويصير في فلسطين 🇵🇸

  • المخرج ريدلي سكوت قد يعمل على فلم السيرة الذاتية لفرقة «Bee Gees» واللي ما يعرفها إلا الشيبان، ويبدو الفلم بيكون فيه مشاكل تخص دقة الحقائق التاريخية مثل ما شفنا في نابليون، شكلها ثيمة المخرج 🤣

  • لا جديد عند هوليوود، تقول الأخبار أن المخرج ديفيد فينشر يعمل على النسخة الأمريكية من مسلسل «لعبة الحبّار» وحنا ما نسينا للآن النسخة الأصلية، وأتصور نسخة فينشر بتكون خالية من الدماء وفيها تنوع ممثلين كبير «إذا أنت فاهمني 😉»

  • صرح مصدر باحتمالية انضمام الممثل توم كروز لآخر أفلام المخرج كوينتن تارانتينو بعنوان «The Movie Critic» يعني شكله دور توم يركض وراء مراجعين الأفلام، «الله يستر علينا» 😅

  • وصلت جوائز «البافتا» (BAFTA) ومثل ما هو متوقع حصد «أوبنهايمر» جائزة أفضل فلم، وأفضل ممثل أخذها كيليان مورفي، أما أفضل ممثلة كانت إيما ستون وشكل «أوبنهايمر» بيسيطر على الأوسكار بعد🤣


توصيات سينمائية

لا تحظى الأفلام القصيرة باهتمام كبير، وقلة من الناس تتابعها، لكنها منجم إبداعي ثمين، قد تعتقد أنها سهلة، لكن على العكس تحدياتها تجعل منها فنًا صعبًا لا يحترفه الكثير، في مقابلتنا مع المخرج «علي الكلثمي» تحدث عن تعلمه من تجربته في العمل على الأفلام القصيرة، خلال مدة أقل بكثير من الفلم العادي وتحديات كثيرة يحاول المخرج سرد القصة بشكل متكامل، ويسعى لإخراج فلم لا يظهر بشكل مقصوص أو كأنه «سكيتش» 🥲

توصيتنا اليوم فلم قصير فاز بجائزة الأوسكار للأفلام القصيرة، وبجائزة «BAFTA» كذلك. 

في 22 دقيقة نعيش قصة أخوين يجمعهما عزاء والدتهما مجددًا، لكن علاقتهما مضطربة، يحاول الأخ الأكبر إقناع أخيه المصاب بمتلازمة داون بالانتقال إلى السكن لدى عمته، لأنه يخطط لبيع المزرعة التي كانت تعيش بها والدتهما، إلا أن الأخ الصغير يرفض ترك المزرعة حتى ينفذ قائمة الأمنيات اللي كتبتها الأم والمكونة من 100 أمنية! ❤️‍🩹

تغلب الكوميديا السوداء على الفلم «مكملين بثيم النشرة الماضية» فتشعرك بغرابة الكثير من المواقف كونها خليطاً بين السخرية الساخطة، والألم، والضحكة من القلب، كما أن طريقة التصوير والمونتاج وجمالية المشاهد طيلة الفلم اجتمعت ليكون الفلم ممتعًا بصريًا رغم قصره، والأهم من ذلك بساطة وعمق الحوارات وخلوّها من التعقيد؛ مما ساهم ببناء الشخصيات بشكل جميل وواقعي يجعلها تلامسك في كثير من اللحظات 🫂

تتميز الأفلام الأيرلندية عن غيرها بالكثير، تفاجئني دائمًا ولا تخيّب ظني إلا أحيانًا، إذا أعجبك «The Banshees of Inisherin» ستحب هذا الفلم القصير بالتأكيد، أو قد يكون بوابتك للسينما الأيرلندية.


ميم النشرة


دريت ولا ما دريت؟

أشياء كثير ما نحس فيها إلا لما نفقدها، وأحيانًا بنحتاج شوية خيال حتى نتصور الحياة بدون عنصر نشترك كلنا في تقديره، بعد مشاهدة فلم Gravity (2013) تستوعب أهمية الجاذبية وتشوفها في مغامرة فضائية مبهرة، ترشّح الفلم للكثير من الجوائز، 10 منها في الأوسكار، وحصد 7 جوائز بين أفضل تحرير وأفضل مؤثرات بصرية وطبعًا أفضل مخرج وكل هذا خلفه صعوبات وحقائق تخلينا نقول دريت ولا ما دريت؟ 

  • أخذت صناعة وإنتاج الفلم قرابة 4 سنوات ونصف، ومن كثرة صعوبات وتحديات العمل عليه قرر المخرج أن هذا آخر أفلامه عن الفضاء 🚀🙅🏽‍♂️

  • قليل تلقى فلم يخلو من رمزيات معقدة، وأكبر رمزية ركز عليها فلم جرافيتي هي مفهوم إعادة الولادة، وبذكاء في التوظيف استعان المخرج بهذا المشهد لإيصال فكرته، وأخيرًا نقدر نقول فيه فلم قدم رمزية مفهومة 🧠 💡

  • بما أنه الفلم مفترض يصوّر في الفضاء، وحتى يتم عكس مشاهد الطفو الفضائي بسبب عدم وجود الجاذبية، صُور الفلم تحت الماء لتكون المشاهد أكثر واقعية  🌊 👩🏼‍🚀

  • متى آخر مرة شفت فلم من البداية واعتقدت إن هذا آخر شعار لشركة إنتاج وتتفاجأ بشعار ثاني لدرجة تشك أن الفلم بدأ؟ من محاسن هالفلم إنه ما كان فيه «Opening Credits» يعني تطمن مارح تشوف كل شركات الإنتاج في افتتاحية الفلم  🎞️ ⏳

  • تعددوا محبين الفلم، لكن من اللي أعجبه جدًا؟ ممكن تفكر إنه نولان، لكنه جيمس كاميرون! والسبب؟ أكيد قدّر الجهد والتعقيد خلف تصوير الفلم، خصوصًا وأن أفلامه بهذا المستوى 😅🎥


يُعرض الآن

في السينما فلم السيرة الذاتية «Bob Marley: One Love» بطولة كينقسلي بن أدير ولاشانا لينش، يتناول حياة المغني الراحل وملهم الأجيال بوب مارلي، ورحلته العاصفة بين جامايكا ولندن، ونجاته من محاولة اغتياله، والكثير عن حياته قبل أن يعتلي المسرح ويصبح نجمًا موسيقيًا ثوريًا.

VOX / IMDB

في السينما فلم الأنمي «3 Little Kungpoo Goats» بطولة جون ألين وكارولين أميقيت وزاك أندروز، يحكي عن مملكة حيوانات تعيش بسلام في ظل هدنة قديمة العهد بين الحيوانات المفترسة وفرائسها، تتعرّض الهدنة للخطر بعد تدهور صحة الذئب الجائع لتناوله النباتات فقط، تحاول 3 معاز الحفاظ على الهدنة بتعلم أحد الفنون الحربية.

VOX / IMDB

في السينما فلم الرعب «Stopmotion» بطولة أيسلينق فرانسيوسي وستيلا نيت، ويروي صراع فنانة رسوم متحركة تكافح مشاعرها بعد فقدان أمها المتسلطة، ويستهلكها عالمها الفني والإبداعي مما يؤدي لنتائج مميتة.

VOX / IMDB

في السينما إعادة إصدار لفلم الجريمة «City of God» الذي صدر عام 2002 ببطولة ألكسندر رودريقيز ولياندرو فيرمينو وماتيوس ناتشترقيلي، يسافر بنا إلى الأحياء الفقيرة والعنيفة في البرازيل بالتحديد مدينة ريو، ونتتبع قصة شابين أحدهما يطمح أن يصبح مصورًا، والآخر زعيم عصابة مخدرات.

VOX / IMDB

النشرة السينمائيةالنشرة السينمائيةمقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.