ما لا تعرفه عن مارلين مونرو القارئة!

مارلين القارئة لا تختلف عن أي قارئ آخر، استخدمَت ما قرأته في حياتها، واقتبسَت من الكتب التي أحبّتها.

مارلين مونرو وهي تقرأ رواية «يوليسيس» لجيمس جويس (1955) / Eve Arnold
مارلين مونرو وهي تقرأ رواية «يوليسيس» لجيمس جويس (1955) / Eve Arnold

ما لا تعرفه عن مارلين مونرو القارئة!

إيمان العزوزي

في إحدى أمسيات لوس أنجلس تحلّق الأصدقاء حول مائدة أنيقة بأحد المطاعم الإيطالية الصغيرة. احتدم النقاش بين صديقين حول عصر النهضة ومن يُعد حقًا عبقري هذا العصر، هل هو بوتيشلي أم دافنشي؟ جلسَت بينهما امرأة شقراء صامتة بدهشة وافتتان واعتقدت أن عدم مجاراة حديث صديقيها دليل يوثّق غباءها وجهلها. في تلك اللحظة قررت جادة أن تلتحق بدورة دراسية حول الفن، لم تكن الشقراء سوى مارلين مونرو التي حُفر اسمها في عالم هوليوود أيقونةً متوّجة على عرش الجمال والغواية.

في سيرتها الذاتية غير المنتهية «قصتي» تصف مارلين هوليوود مقتبسةً بيتًا من الشاعر الإنقليزي صامويل كولردج قائلة: «هوليوود التي عرفتها كانت هوليوود فشل… الأمر أشبه بما يصفه البيت في القصيدة: ماء ماء، في كل الأنحاء، لكن… لا قطرةَ للارتواء.». لطالما شبهت الاشتغال في الأستوديوهات بخطوط إنتاج المصانع التي تنتهي في الغالب بعد إنهاك المستخدمين إلى إنتاج سلع متشابهة. لم ترغب هوليوود في تعليمها مبادئ التمثيل وسجَنَتها في نمط الشقراء الغبية الخاضعة؛ وهذا ما شجعها على التمرد وترك شركة فوكس، فاتجهت إلى نيويورك. أسرعت فوكس إلى تعويض دميتها مستقطبة جين مانسفيلد. كانت جين أكثر من وجه فاتن؛ فذكاؤها تجاوز المعدَّل ودرست علم النفس والمسرح وأجادت التحدث بعدة لغات والعزف على البيانو. اكتفت فوكس بجسدها دون مزاياها الأخرى، وقٌدِّمت على الشاشة وفق نمط كاريكاتوري مسَخ وجودها. هذا الانمساخ هو كل ما فرت منه مارلين.

ما يشدني في سيرة مارلين ليس حياتها كممثلة أو مغنية، مع أن لها بعض الأدوار الجميلة التي نافست بها ممثلات الصف الأول من جيلها، كما أن صوتها وطريقة أدائها للجاز كان لافتًا ومتفردًا، بل ما أحببته كان رغبتها المستميتة أن يُنظر إليها كإنسان جدير بالاهتمام، وكأن إثارة الاهتمام تستدعي بالضرورة الحب. أرادت أن تعوّض النقص الذي لحقها منذ طفولتها وهي تبحث عن حب الأم والأب والعائلة، وحين سُلِبت هذا الحب العفوي بحثَت عن وسائل تعوّض دفء هذه المشاعر.

استبدت بها رغبة متوحشة وإرادة جبارة لتتعلم وتفهم وتعوض سنوات جهلها؛ فالتحقت سنة 1952 بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، ودرست الفن والأدب، وهناك عرفت كبار الكتاب العالميين أمثال فوكنر وشتاينبك ودوستويفسكي وفيتزجيرالد وشكسبير وفلوبير وغيرهم.

«كنت أقرأ إلى أن أصاب بالدوار» هكذا تصف مارلين شراهتها للقراءة، وهذا ما أكده أيضًا الكاتب وعالم النفس الفرنسي ميشيل شنايدر: «كانت تقرأ بجشع مضطرب مثل أولئك الذين نشؤوا في بيوت بلا كتب.» وأظنه شعورًا يألفه بعض القراء. تصدّر فرويد قراءاتها الأولى والتهمت كل كتبه باحثة فيها عن تفسير أحلامها التي أقضّت مضجعها.

بعد انتقالها إلى نيويورك واحتكاكها بالطبقة المثقفة نما شغفها بالقراءة وعدتها ملاذًا آمنًا بعيدًا عن صخب الحشود والابتسامات الفارغة التي تتصيد ضحكتها. صادفت هناك كارسون ماكلرز وقرأت معها أول أعمالها وأشهرها «القلب صياد وحيد» الذي يقدّم شخصيات لا تختلف كثيرًا عنها: أفرادًا حالمين ذوي طموح قد يدفعهم أو يدمرهم. وبرفقتها عرفت عدة كُتاب على رأسهم ترومان كابوت الذي ألحّ على أن تمثّل مارلين دور هولي قولايتلي في الفلم المقتبس من روايته «إفطار عند ستفاني»، لكن شركة الإنتاج فضلت غيرها. صادفت بالمدينة أيضًا الروائية الدانماركية كارين بلكسين صاحبة رواية «خارج إفريقيا» وتسامرتا قليلًا حول الشعر والأدب.

مارلين القارئة لا تختلف عن أي قارئ آخر، استخدمَت ما قرأته في حياتها، واقتبسَت من الكتب التي أحبّتها، ونصحَت أصدقاءها بالقراءات التي أثرت فيها. ورافقَتها الكتب في كل مكان، في مكتبتها الشخصية الصغيرة التي احتضنت نحو أربعمئة كتاب بيعت بعد وفاتها في مزاد علني، وفي سيارتها، وخلف كواليس شغلها، وفي حقائب سفرها. 

أهدت كتبًا وأشياء بسيطة نحتت عليها عبارات أدبية لافتة، كالميدالية التي أهدتها إلى زوجة اللاعب جو ديماجيو يوم زفافهما وزيّنتها بجملة «لا يرى المرء رؤية صحيحة إلا بقلبه؛ لأن العيون لا تدرك جوهر الأشياء»، وهي من أشهر عبارات أنطوان دو سانت إكزوبيري في كتابه العذب «الأمير الصغير». لم يفهم اللاعب الرسالة خلف الاقتباس واكتفى برفع كتفيه باستخفاف قائلًا: «رباه! لكن ما الذي يعنيه هذا؟».

قد يبدو صادمًا وغريبًا أن يرتبط اسم الكاتب الشهير جيمس جويس بمارلين، ومعظم مَن شاهد صورتها الشهيرة وهي تقرأ كتابه الملحمي «يوليسيس» أنكروا عليها ذلك واعتقدوا أنها تصنّعت المشهد، ورددوا الأسئلة الساخرة نفسها: «ما الذي يفعله يوليسيس على الشاطئ؟»، «رباه! كيف ستفهمه الشقراء؟». عن نفسي قرأت معظم فصوله على ساحل الأطلسي ولا أعرف من الذي ربط الذكاء والفطنة بلون الشعر؟ لم تقل مارلين يومًا إنها فهمَته بل اعترفت بغموضه ومحاولاتها المستمرة لاستجلاء ما استعصى عليها فهْمُه. المثير في قراءتها ليوليسيس أنها خلقت لنفسها منهجًا تتبعه: تقرأ الفصول دون ترتيب، وتقرؤه بصوت مرتفع محاولةً فَهْمَه، وتحمل الكتاب برفقتها أينما حلت، وكلها تفاصيل بسيطة تؤكد أنها على الأقل حاولت قراءته.

من الكتب التي أثرت في مارلين عميقًا كتاب «النبي» لجبران خليل جبران. أهدت نسخًا منه إلى أصدقائها وحرصت أن يرافقها إلى مكان عملها. قرأته مرارًا بين مشاهد أفلامها، وتأملت كثيرًا الفصل الخاص بالزواج وناقشته مع زملائها محللةً مفاهيم الحب والعلاقات وفق رؤية جبران.

في أثناء تصوير فيلم «إيف» صادفَها مخرج العمل جوزيف مانكيفيتش تتجول في إحدى مكتبات بيفرلي هيلز التي كانت تزورها بين حين وآخر غارقةً في عالمها تقلّب بين يديها الكتب. في اليوم التالي وجدها في موقع التصوير تقرأ كتابًا لريلكه؛ فعلّق مندهشًا: «ريلكه؟ اختيار مدهش! لكنه لا يناسبك!»؛ فأجابت متجاهلة سخريته: «المرعب، اسمع ما يقول ريلكه، يقول إن الجمال ليس سوى مستهل المرعب».

تأثرت مارلين بريلكه وقرأت معظم قصائده، لكن ما أثر فيها للغاية وأفادها وساعدها كان كتابه النثري «رسائل إلى شاعر شاب». تقول عنه مارلين: «لولا هذا الكتاب  لاقتنعت أني فعلًا مجنونة».

مارلين تكتب!

أحبت مارلين الشعر وقضت لياليها المليئة بالأرق والكآبة وهي تمر من قصيدة لأخرى. ناسبها الشعر لقوّته الانفعالية ولأنه تمرين قرائي لا يتطلب المكث طويلًا مع الكتاب، بل تقرأ قصيدة ثم تنطلق لتعود وتقرأ أخرى. هذه القراءة كانت تناسب حياتها الصاخبة والمتحركة دائمًا، ولم تكتف بقراءة الشعر بل تجرأت على كتابته، وكان زوجها آرثر ميلر وصديقها الشاعر نورمان روستن طليعة قرائها. 

لم تكن تكتب بنيّة النشر بل كي تعبّر وتفكّر عبر الحبر وعند شعورها بالفوضى. سنكتشف ونحن نقرأ هذه الكتابات -التي نُشرت مؤخرًا- مارلين أخرى أخْفَتها عنا الأضواء؛ فقد كانت كما وصفها زوجها أرثر ميلر «شاعرة تقف على زاوية الشارع، تحاول أن تلقي شعرًا على جمهور يرغب في أن يجرّدها من ملابسها».


  1. أعلنت جائزة خيري شلبي للعمل الروائي الأول انطلاق دورتها الخامسة لعام 2024 بالشراكة مع دار الشروق المصرية، وجاءت الجائزة تخليدًا لذكرى الكاتب خيري شلبي ودعمًا للروائيين المصريين الذين لم يسبق لهم النشر.

  2. أعلنت وزارة الثقافة والرياضة والشباب العمانية دورتها الثالثة من جائزة صحار للدراسات البحثية والنقدية 2024 حول «الدراسات النقدية في الشعر العُماني الفصيح وفق مناهج النقد الحديث». 

  3. ظفرت مكتبة كلمات بجائزة أفضل مكتبة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حفل توزيع جوائز «تك توك» للكتاب ضمن مهرجان طيران الإمارات للآداب.

  4. صدر حديثًا عن دار ممدوح عدوان للنشر ومنشورات سرد رواية «المستأجر» للروائي الإسباني خابيير ثيركاس بترجمة محمد الفولي.


من نادي «من باب المكتبة سيتغير العالم»:

  1. حياتي، أحمد أمين

سيرة ذاتية هادئة، متزنة، ومؤثرة جدًا لدرجة أنها تتسرب إلى أيامك ولحظات حياتك دون أن تشعر. في هذا الكتاب سرد أهم محطات حياته الحافلة بالإنجازات والنجاحات والصراعات الفكرية والعملية. ولم ينس أن يكتب عن أفكاره الحائرة وتطور واختلاف تصرفاته كلما كبر واتسع فكره. لم يكن هو فقط الحاضر في هذه السيرة، بل إنه صور حياة كاملة لمراحل عاشتها مصر وعاشها جيله في تلك الحقبة.

  1. من سوانح الذكريات، حمد الجاسر

عندما تقرأ سوانح الذكريات لا تطلع على سيرة ذاتية فحسب بل على تفاصيل جزء من تاريخنا الاجتماعي (حاضرة – بادية) في السعودية في فترة التأسيس. كتب عن رحلاته العلمية العديدة ومن أهمها رحلته للرياض. تشعر أنك تتجول معه في أزقتها الطينية ومن دروازة الثميري إلى قصر الحكم.

  1. العود الهندي: عن أمالي في ديوان الكندي، عبدالرحمن عبيدالله السقاف

ستة عشر مجلسًا أدبيًا، يبدأ المؤلف المجلس بأبيات للمتنبي ومن ثم يبحر بالقارئ في شرح الأبيات ونقدها وذكر الأبيات التي تدور حول موضوعه. كتاب أشبه بالوصية، بل إنه وصية من أب الى ابنه.

  1. ثلاثية غرناطة، رضوى عاشور

تتجسد الأندلس بكل تفاصيلها أمامنا، حيث تذهب بنا رضوى بطريقة عجيبة إلى تفاصيل أحداث وقعت في مئة عام، وتروي تفاصيل حارة البيازين بالبيوت الفسيحة المليئة بأشجار الخزامى والياسمين والفواكه المختلفة، والشوارع الضيقة، والحمامات ومزارع الزيتون والاحتفالات الصغيرة للأهالي الطيبين البسطاء، وبين ذلك كله تبدأ أول شرارات الخطر المقترب بتسليم غرناطة وتنصير الشخصية الرمز الذي يعول عليه الأهالي.

نشرة إلخنشرة إلخلغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.