«كرَش» تكشف التعقيد في الغرام الخليجي

لا يزال التعبير عن المشاعر والحديث عنها في أوساطنا العربية يقع في دائرة المحظور، فنحن نعيش في بيئة لا تشجع على إظهار المشاعر.

جاء دخولي إلى عالم تويتر متأخرًا، ووجدت فيه نافذة نطل عليها لمعرفة المجتمع الخليجي والسعودي لكثافة حضور شعوب هذه المنطقة فيه. كنت حينها لا أزال أتعلم لغة مستخدميه، والكثير من البروتوكولات غير المنطوقة وطبيعة الموضوعات المطروقة. في تلك الفترة أيضًا دخلت عالم «الباث» الذي يشكل وسطًا مستترًا يكون فيه أفراده أكثر شفافية حول قناعاتهم ومشاعرهم ومغامراتهم العاطفية، بعيدًا عن عنف تويتر وفضائه الواسع على نحو مخيف، وردود أفعال أصحابه المندفعة.

ومما لاحظته كثافةَ حضور مفردة «كرَش» (crush) للتعبير عن مشاعر الحب التي يكنُّها قائلها لفرد ما، ووجدت ذلك لافتًا لأكثر من سبب. إذ من يستخدم هذا المصطلح هم غالبًا في الثلاثين من أعمارهم أو أواخر العشرينات، أفراد –كما أحسب– اجتازوا مرحلة المراهقة. استنتجت وقتها أن ذلك مجرد استخدام مغلوط للمصطلح، لكن الأمر بدا عكس ذلك، وأنَّ له أبعادًا ثقافية واجتماعية أخرى.

مشاعر «الكرَش» كما أعرفها هي شعور عاطفي غير ناضج للحب، شعور نابع عن قلة التجارب الحياتية والعاطفية منها، على وجه الخصوص في عمر مبكرة. ولذلك يكثر استخدام هذا التعبير بين أبناء الثانوية في الولايات المتحدة، حيث تتفجر الهرمونات وتتغير بيولوجيا الجسم، ويبدأ الفرد بالتعرف على جسده، بجانب خوض تجارب الحب والإعجاب الأولى في مجتمع مختلط الجنس. 

تختلف التجربة الأولى لحمل مشاعر حب تجاه شخص ما، عن مشاعر الحب السابقة التي حملها الشاب أو البنت سابقًا نحو أحد أفراد العائلة كالوالدين. تفور كيمياء جديدة في جسم «المكرش» فيضطرب بسببها ولا يعرف كيف يتصرف، فيشعر بالتوتر والخجل في حضور من يكن له أو لها هذه المشاعر. ولكن تصبح هذه المشاعر أو التجربة كليًّا غير ممكنة مع التقدم في العمر، إذ بعد خوض تجارب مختلفة في عالم الحب والعلاقات، يصبح الفرد أكثر نضجًا في التعاطي مع مشاعره وأكثر دراية بكيمياء جسده. وعليه يختفي هذا التعبير مع التقدم في السن للأفراد في أمريكا، وتصبح العلاقات محل كيمياء وبروتوكولات مختلفة.

قد يكون الأمر مختلفًا في عالمنا العربي، في الخليج والسعودية تحديدًا، حيث المشهد الغرامي أكثر تعقيدًا. فالفصل ما بين الجنسين في شتى مجالات الحياة ما زال قائمًا فيها ولفترة متقدمة في عمر الفرد، وعلاقة الرجل بالمرأة تأتي متأخرة. كما أن جزءًا كبيرًا من هذا المشهد يقبع تحت السطح في الرسائل الخاصة والأماكن المستترة، ما يحتِّم تجربة مختلفة تمامًا للحب والمشاعر والكيمياء عنها في الولايات المتحدة وأبنائها. هنا أتساءل، هل من الممكن أن يمر الفرد هنا بتجربة «الكرَش» في عمر متأخر؟

يجادل البعض بأن «الكرَش» لا عمر له، وأنه ممكن للجميع على حد سواء، وأن ما يتغير هو فقط معجمنا المستخدم في التعبير عنه مع التقدم في السن. فلا نقول لدي «كرَش» تجاه فرد ما، وإنما نستعيض عن ذلك بقول «إعجاب» أو «انجذاب». 

لا يزال التعبير عن المشاعر والحديث عنها في أوساطنا العربية يقع في دائرة المحظور والمسكوت عنه، فنحن نعيش في بيئة لا تميل ولا تشجع على إظهار المشاعر بل تعمل على كبتها. وهذا ما يجعل الإشكال ضبابيًّا بين الممارسة العملية لفعل الحب والمشاعر على الأرض، وبين اللغة المستخدمة للتعبير عنها. وعندما نستورد مصطلحًا أجنبيًّا نابعًا من بيئة مختلفة ومن نتاج تجربة معيشية لثقافة ما، فإن الضبابية تزداد. بل ربما ينعكس ذلك حتى على تجاربنا المعيشية وتعبيرنا عن وقوعنا في الغرام.

الإنسانالمشاعرالرأي
نشرة أها!نشرة أها!نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.