فخ التربية الإنستقرامية

بينما أفادتني الحسابات التوعوية بمعلومات ثرية ومُثبَتة علميًّا، تبيّن أن أغلب حسابات المؤثرين لم تُفدني بشيء سوى الشعور بالتقصير.

قبل ولادة أختي التي تصغرني بخمس عشرة سنة، أهداني والدي نسخة من الكتاب «كيف تتحدث فيصغي الصغار إليك» (How to Talk So Kids Will Listen). كان أوّل كتاب تربوي أقرأه، ومدخلي إلى عالم التربية وعلم نفس الطفل. وبعد إنشاء حسابي على إنستقرام، أصبحت أتابع المحتوى التربوي هناك أيضًا. إذ انتقل الأخصائيون إلى العالم الافتراضي لينشروا خبراتهم هناك. 

لكن ظهرت حسابات أخرى إلى جانب حسابات الخبراء، لمؤثرين إنستقراميين نالوا شهرةً قبل أن ينجبوا أطفالًا، ثم أدخلوا صغارهم إلى عالم الإنترنت بعد ولادتهم. ما ميّز هذه الحسابات أن أصحابها لم يشاركوا خبراتهم بطريقة علمية وتوعوية كالنوع السابق، بل بصفتهم آباءً وأمهات ينشرون يومياتهم، ليظهر ما سُمّي بـ«التربية الإنستقرامية» «Insta-Parents».

منحتني متابعة المؤثرين التربويين إحساسًا بالدعم، وبوجود مجتمع من العائلات الشابة تشبهني. لكن ذلك لم يخلُ من الشعور بالذنب، إذ وقعتُ في فخ المقارنة. فأنا لم أستطع أن أقدّم لأختي «تربية إنستقرامية» مثالية؛ إذ لم يسمح لي انشغالي بالعمل والدراسة بوضع جداول لأنشطة، وتجهيز علبة غداء جميلة للمدرسة. 

وتؤكّد إحدى الدراسات وجود الشعور نفسه لدى كثير من الأمهات، إذ شعرن بمشاعر سلبية حين قارنَّ تربيتهن بما شاهدنه على وسائل التواصل الاجتماعي. 

إضافةً إلى ضرر المقارنة على المتابعين، أغلب التربية التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي -كونها غير مُثبَتة علميًّا- قد تضر أطفال المؤثرين أنفسهم. وظهور مصطلح «أمهات اللوز» (almond moms) على تك توك خير مثال على ذلك. فقد أثار مقطع لأم العارضة جيجي حديد جدلاً على المنصة، إذ تظهر يولاندا حديد وهي تمنع ابنتها من الأكل باستثناء عدة لوزات لتحافظ على نظامها الغذائي الصارم. 

ظاهرة «أمهات اللوز» بحد ذاتها ليست جديدة، فهي نابعة من ثقافة العارضات التي ترى أن مظهر العارضة النحيف يدل على صحتها الجيدة. لكنها تدل أيضًا على خطورة تقليد عادات مضرّة وغير واقعية، وعلى كثرة البنات اللاتي تضررن نتيجة انتشار الظاهرة. وشارك العديد من الفتيات تجاربهن مع أمهاتهن تحت وسم «#almondmoms»، والذي تلقّى أكثر من 6 مليون مشاهدة على تك توك. 

ألغيت متابعتي لحسابات المؤثّرين التربوية بعد سنوات من المتابعة المُخلِصة، وأوقفت محاولاتي لتطبيق أساليبها. فبينما أفادتني الحسابات التوعوية بمعلومات ثرية ومُثبَتة علميًّا، تبيّن أن أغلب حسابات المؤثرين لم تُفدني بشيء سوى الشعور بالتقصير، والسعي نحو تربية لا أستطيع تحقيقها. لذا سأقدّم لأختي ما أقدر عليه وأرضى به واقعيًا، دون المقارنة بالتربية الإنستقرامية.

التربيةالطفلوسائل التواصل الاجتماعيالرأي
نشرة أها!نشرة أها!نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.