فلسفة «عش اللحظة» في اليوم المثالي الياباني

قد تستغرب إن قلت إن اليابان تملك ثقافة خاصة بالمرحاض، وأجزم بأن كل الشعوب تملك ثقافتها المرتبطة بهذا المرفق.

وفقًا لبحث مستفيض في «الإيكونومست» حول عدد الكتب التي يتسنى لك قراءتها قبل موتك:

إن كنت تقرأ أحد عشر كتابًا في العام، ستستغرق مهمة قراءة كلاسيكيات الأدب 84 سنة من حياتك. إن قرأت نصف ساعة يوميًّا ستنهيها في 51 سنة. إن قرأت ساعة يوميًّا ستنهيها ... لا أعرف كم سنة لكن بالتأكيد أقل!

ماذا إن طبقنا هذه العمليَّة الحسابية على الثلاث ساعات التي نقضيها يوميًّا في قراءة التغريدات والمنشورات والتعليقات؟ ما الحصيلة التي سنخرج بها حين تنتهي حياتنا؟

في عددنا اليوم 📨 نتأمل رؤية يابانية فريدة لفلسفة «عش اللحظة»، وكيف كشفت تايلور سويفت عيوب منصة «إكس»، وكيف تنظم نهاية أسبوع مثالية، وليه فيليب معلَّق قلبه بالمحل. ❤️

إيمان أسعد


ثقافة المرحاض / Imran Creative
ثقافة المرحاض / Imran Creative

«عش اللحظة» في اليوم المثالي الياباني

إيمان العزوزي

شاهدت مؤخرًا فلمًا يابانيًا يميل إلى السينما الشعرية التي تميل إلى رصد التفاصيل التي تتمنع من الظهور إلا إذا صادفت مُخرجًا يجيد اقتناصها. وقد نجح الألماني فيم فيندرز مخرج فلم «أيام مثالية» (Perfect Days) في القبض على هذه التفاصيل، ومن خلالها استطاع تجسيد ما سماه المخرج والشاعر الإيطالي بازوليني «الموجود غير المُعَبَّر».

بدأت الفكرة تنمو في ذهن فيندرز حين طلبت منه مدينة طوكيو أن يخرج سلسلة من الأفلام الوثائقية للاحتفاء بمشروعها العمراني الرائد الذي يقدم خمسة عشر تصميمًا مختلفًا لمراحيضها العمومية. قبِل فيندرز المشروع لرغبته في العودة مجددًا إلى اليابان، لكنه رفض وضعه في قالب وثائقي بارد، مفضلًا فلمًا روائيًا يعالج الموضوع وفق جمالية تضفي بُعدًا شعريًا على مكان ارتبط في الأذهان بالقذارة والاشمئزاز، ومن خلال هذه الرؤية يلامس أيضًا ثقافة اليابان.

قد تستغرب إن قلت إن اليابان تملك ثقافة خاصة بالمرحاض، وأجزم بأن كل الشعوب تملك ثقافتها المرتبطة بهذا المرفق. ما يميز اليابان أنها تحتفي بهذه الثقافة، بل تحرض على تمتيعها بأدق القواعد والطقوس. فالمرحاض يمثل لليابان رمزًا للتفرد والضيافة، وقد أفرد له الكاتب الياباني جونيشيرو تانيزاكي في مقاله الطويل «مديح الظل» مدحًا مستحقًا وعدَّه مكانًا روحيًا ألهم قريحة عدة شعراء يابانيين. 

وانتقد تانيزاكي من خلال وصفه للمرحاض التقنية الآتية من الغرب التي أثَّرت في الإنسان الياباني وأفقدته أصالته. فهو يدعو إلى العودة مجددًا نحو الماضي والثقافة التي تمنحه اتصالًا روحيًا باللحظة الراهنة التي من شأنها أن تبعث في جسمه وذهنه حرارته السابقة القادرة على أن تحمي ملكة التخيّل بعيدًا من قيودها المادية، وأن يحتفظ بفلسفة المكان القائمة على إذابة الحدود بين الداخل والخارج في تناغم بين الإنسان ومجاله. وبالرغم من ضعفنا الإنساني المفهوم أمام كل ما هو جديد فالحاجة أضحت ملحّة نحو العودة إلى الوراء قليلًا، نحو الإبطاء ونحو فلسفة «عش اللحظة».

المراحيض المعاصرة هي بالتأكيد بعيدة من تلك التي حلم بها تانيزاكي، إلا أنها حافظت على اتصالها بالإنسان من خلال منحه اللحظة التي يحتاج فيها إلى الانفراد بنفسه في تلك المرافق، وهي لحظة تعين البشر على التوقف قليلًا والتأمل للحظات. لهذا نجد في الرؤية اليابانية للمراحيض شيئًا من ثقافة التأمل، خصوصًا في المواد المستخدمة في بنائها وتصميماتها البعيدة من العادية.

ومن بين هذه التصميمات التي ركز فيها فلمنا يأتي المرحاض الزجاجي الذكي، الذي بمجرد دخوله يصبح معتمًا؛ فلا يستطيع من بالخارج أن يرى الداخل. في هذه اللحظة العجيبة يصبح ذاك الفرد غير المرئي موجودًا، وندرك وجوده من غيابه خلف العتمة، في حين يختفي عن أنظارنا وهو موجود بيننا يعيش ويتنفس، وكأننا لا نستجلي الحضور إلا من الغياب.

هيراياما بطل فلمنا هو بدوره إنسان غير مرئي، نصادف أشباهه يوميًا في طرقنا، وننظر إليهم وكأننا لا نراهم، وبعضنا يحتقرهم ويقلل من شأنهم كما حدث معه. والمدهش أننا لا نرى قذارة تستوجب التنظيف المفْرط الذي ينفذه متبعًا أدق الخطوات، لكنه بالرغم من ذلك يتبعها بإخلاص.

يتوقف هيراياما في لحظات استراحته أمام الطبيعة، جالسًا أمام عظمتها قارئًا تفاصيلها، حاملًا بين يديه كاميرا قديمة لا تزال تعتمد على أفلام التصوير. يقتنص لحظاتها المميزة حين تقترن أشعة الشمس بأغصان الشجر في لوحة صامتة؛ فيوثق اللحظة. 

يُحسَب للمخرج تركه المشهد حيًا مثاليًا دون موسيقا تصويرية سوى موسيقا الريح وحفيف الأغصان، وهي لحظات تأملية يُعَرِّفها اليابانيون بـ«komorebi»، أي «ضوء الشمس متخللًا أغصان الشجر»، وهو فن فطري يعيد بناء العالم من خلال تذوق الأشياء العادية التي نُغفِلها بسبب لهاثنا اليومي نحو أشغالنا؛ فيأتي الفنان الفطري ليوثقها في عالمه المصغر الذي يخلقه لنفسه ويمارس فيه فنه. وعالم هيراياما المصغر يشكل حلقة وصل بين هشاشته الحلمية وواقعه المتكرر؛ ففي كل عمل صدعٌ ما يدخل منه النور.

نجح المخرج في مدح الروتين بتمييز التكرار المُضْجِر من الآخر المثمر؛ معتمدًا في صياغته على مفهوم آخر من فلسفة اليابانيين هو «MUJO»، الذي يعني «عدم الاستمرارية»؛ فكل شيء متغير ومنته بالضرورة، وعلى الإنسان تبعًا لهذه الرؤية أن يكترث باللحظة ويعيش كل تفاصيلها لأنها لن تتكرر مهما بدا له شبهها بأخرى. فكل لحظة تختلف عن الأخرى بالوجوه التي نلتقيها والعثرات التي نصادفها والأمواج والرياح التي تمر آخذة شيئًا منا.

هذا الإيمان بالمتغير هو ما دفع هيراياما إلى أن يخلص في روتينه ويمنح تفاصيل يومه أهميتها وإنْ بدت لأهله ورفاقه مضجرة وشاحبة. يؤكد البطل هذا الإيمان من خلال الشعار الذي يتبناه «الآن هو الآن.»؛ فوجوده يكمن في اللحظة، ونعيش معه هذا الانفعال الجمالي تجاه كل اللحظات في حياته من خلال عينيه وملامح وجهه؛ مستحضرين كل اللحظات التي مررنا بجانبها دون أن ندرك جمالها.

ولعل المشهد الختامي للفلم -لا أود بالتأكيد حرقه- رسالة صامتة أخيرة من البطل إلى المتلقي يدعوه أن يحب حياته بمعزل عن «حيوات» الناس، وأن يؤمن بقوة اللحظة في مواجهة  غياب اليقين في الغد، وأن يرى في كل لحظاته مثالًا وجمالًا خاصًا متفردًا وأصيلًا نابعًا من ذاته، ولا يحتاج إلى الآخر من أجل نفيه أو تأكيده؛ فالآخرون كما أكّد سارتر هم الجحيم.


خبر وأكثر 🔍 📰

استياء / Giphy
استياء / Giphy

فضيحة صور تايلور سويفت تكشف عيب «إكس»!

  • حذف بعد 45 مليون مشاهدة! انتشرت نهاية الأسبوع الماضي صور إباحية زائفة من توليد الذكاء الاصطناعي للنجمة تايلور سويفت في منصة «إكس»، نالت إحداها 45 مليون مشاهدة. وبعد بطء «إكس» في إزالة الصور، اكتسح معجبو تايلور سويفت المنصة ورفعوا صورًا حقيقية للنجمة بوسم «تايلور سويفت» كطريقة لإخراج الصور الزائفة من التايم لاين.

  • من تيلقرام إلى «إكس»! تأتي هذه الحادثة في ظل انتشار هائل لصور وفيديوهات «التزييف العميق» (deep fake) الإباحية عبر الإنترنت. فمع ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية وتزايد برامج تحويل النصوص إلى صور، باتت هذه الأداة أرخص ومتوفرة بشكل أوسع لدى المستخدمين العاديين. في حالة تايلور سويفت، بدأت الصور ضمن مجموعة محدودة في قناة تيلقرام أنتجتها لغرض التبادل الشخصي بينها، لكنها تسربت من القناة وانتشرت في منصة «إكس».

  • الكشف عن الثغرات القانونية والتقنية! كشفت تجربة سويفت الثغرات الواضحة في «إكس». من ضمن الثغرات، أنَّ منصة «إكس» تأخرت في رفع الصور لأنَّ سياستها ترفض تداول الصور الإباحية الحقيقية بدون رضا الطرفين، لكن لم تحدد سياسة واضحة ضد الصور الإباحية الزائفة. ومن الثغرات التقنية، أنَّ «إكس» نجحت في منع إظهار نتائج البحث عن وسم «Taylor Swift» أو «Taylor Swift Ai»، لكن إذا كتب المستخدم «Taylor Ai Swift» تظهر!

  • ليس كل الضحايا تايلور سويفت! تتعرض كثير من النساء إلى «الانتقام الإباحي»: أي توليد أشخاص صور زائفة لهن ونشرها لأسباب انتقامية. هذه ظاهرة متنامية، وتشير دراسة إلى أنَّ 96% من صور «التزييف العميق» هي صور غير مرغوب فيها، و99% من تلك الصور تستهدف النساء. رغم ذلك لم تنل الظاهرة التغطية المطلوبة والتدخل السريع كما حصل مع تايلور سويفت.

  • أين القوانين! أصدر الرئيس جو بايدن أمرًا تنفيذيًا حول الذكاء الاصطناعي العام الماضي يوصي فيه -ولكن لا يلزم- الشركات بوضع علامات على الصور والفيديوهات والصوتيات التي جرى توليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي. وأعلنت منصة «إكس» عن تأسيس قسم من مئة موظف لمراقبة المحتوى والتدخل السريع في الحالات المشابهة لقضية سويفت. لكن للآن لا توجد تشريعات عقابية واضحة.

🌍 المصدر


شبَّاك منوِّر 🖼️

تصميم جمانة سكلوع
تصميم جمانة سكلوع

🧶 المصدر


لمحات من الويب


قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀

  • في صناعتي لذكريات جديدة استطعت التخلص من تأثير الذكريات السيئة، وبدأت أخرج من الدوامة النفسية التي علقت بها. 🧠

  • سنفقد روح الرياضة ومتعتها إذا ألغينا الجانب الإنساني في التحكيم واعتمدنا «الحكم الآلي»؛ لأن الخطأ البشري صورة من صور «التدخل» الغامضة. 👁️

نشرة أها!نشرة أها!نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.