التنقّل بين المهام يضرُّ دماغك

بدأتُ مصارحة عائلتي وزملائي بما لديّ من عمل. لكن مُساعدي الأكبر كان كلمة «لا»، فأستخدمها لأعتذر عن استقبال أي عمل لا يمكنني تأديته. 

لديّ أكثر من مئة علامة تبويب مفتوحة داخل متصفح سفاري في جوالي. فقد تراكمت الصفحات لدي منذ أكثر من سنة، وأبقيتها مفتوحةً دون إغلاقها لاعتقادي أنني سأعود إليها يومًا ما.

تشبه هذه الحالة من علامات التبويب المتراكمة «ضبابية الدماغ» التي تغشى عقلي حين تزداد المهام المتزامنة. الفارق هو أنَّ معالِج جوالي لن يضره التنقل بين علامات التبويب أو تذكّرها فهو مصمَّم لذلك، بينما دماغي البشري لا يقدر على التنقل دون خسارة التركيز، وذلك بسبب «تبديل السياق» (context switching).

جاء مفهوم تبديل السياق من عالَم البرامج الحاسوبية، من ثم أصبح يُطبّق على الإنتاجية البشرية. المفهوم طرحه متخصص الحاسوب والعالم النفسي جيرالد واينبرق، ويُقصَد به تنقّل الانتباه غير المخطط بين مهام مختلفة، ما يقلل الإنتاجية ويزيد الضغط على العقل. إذ تشير دراسة واينبرق إلى أن التنقل بين مهام متعددة في وقت واحد يضرّ الإنتاجية بنسبة تصل إلى 80%.

فالعودة إلى التركيز على مهمة بعد التنقّل إلى غيرها تستغرق من تسع دقائق ونصف إلى خمس وعشرين دقيقة. كما أنَّ تبديل السياق لا يدمر وقت الإنتاجية فحسب، بل قد يُتعب العقل، ويقلل من معدل الذكاء مؤقتًا، إذ ينتج عنه نقص في الوظيفة الإدراكية. فعلى نقيض الأجهزة، عقلي البشري لا يُحسن النظر إلى رسائل البريد، ومستندات في مجموعة واتسابية، وشرائح عرض الغد في وقت واحد.

تشكّل هذه الأضرار ما سُمّي «ضريبة تبديل السياق» (context switching tax)، التي تتراكم مع ارتفاع عدد المهام المتزامنة. فالتنقل نفسه قد لا يتطلب سوى بضع دقائق، لكن ضريبته أكثر من ذلك؛ فتنقّلي العشوائي بين خمس مهام خلال اليوم، قد يؤدّي إلى ضياع أكثر من ساعتين في إزالة الضباب من عقلي.

اكتشفت -بعد سنين من التنقل العشوائي بين المهام- أنَّ الحل لتقليل ضريبة تبديل السياق يكمن في أمرين: التقليل من المشتتات، والتواصل الصريح مع الآخرين. فبدأتُ أضع جوالي على وضعية «عدم الإزعاج» (Do Not Disturb) عند العمل أو القيادة لكيلا يتضرر تركيزي. كما أفدتُ من زراعة أشجار افتراضية في غابة تطبيق «فورست» (Forest)، التي ستموت بمجرّد مغادرتي التطبيق قبل الوقت المحدد.

بدأتُ أيضًا مصارحة عائلتي وزملائي بما لديّ من عمل حتى أضع حدودًا واقعية، وأطلب العون في مشاركة المهام. لكن مُساعدي الأكبر كان كلمة «لا»، فأستخدمها لأعتذر عن استقبال أي عمل لا يمكنني تأديته. 

إذ أدركتُ ألَّا فائدة في إبقاء «علامات تبويب» من المهام مفتوحة في دماغي، لأنَّ ذلك سيؤدّي إلى إرهاقي وعدم إتقان أي منها. فحتى متصفح جهازي -مع تراكم الصفحات- يعلق أحيانًا.

الإنتاجيةالإنسانالعملالرأي
مقالات حرةمقالات حرة